أنا الخبر ـ متابعة
كما كان متوقعا، صعق القاضي كشتيل، رئيس غرفة جرائم الأموال الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، في وقت متأخر من ليلة أول أمس الاثنين، القابض الجهوي بمديرية الضرائب بالرباط وزوجته ووالديه وصهره ومديري شركات ومقاولين متهمين في قضية اختلاس حوالي أربعة مليارات سنتيم من أموال الدولة عن طريق التزوير والتدليس، بأحكام قضائية صارمة تجاوزت 42 سنة سجنا، خصصت منها للقابض الجهوي وعائلته التي ورطها في هذه الفضيحة حوالي 24 سنة سجنا.
وقضت الهيئة القضائية بغرفة جرائم الأموال الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، بعد ساعات من المداولة، بإدانة المتهم الرئيسي في الملف، المزداد بمدينة الرباط سنة 1987، والذي كان يشغل مهمة القابض الجهوي بمديرية الضرائب بالرباط، بـ 12 سنة سجنا، وزوجته الثلاثينية الإطار ببنك شهير بالدار البيضاء، بأربع سنوات حبسا نافذا، ووالديه القاطنين بكيش الأوداية بتمارة والمتقاعدين من سلك التعليم ووزارة التجهيز بأربع سنوات حبسا نافذا، حيث تمت متابعتهما في حالة سراح، فيما أدانت المحكمة صهره، رجل الأعمال الذي يملك مشاريع ومقاهي بمراكش وتمارة، بأربع سنوات حبسا نافذا، في الوقت الذي وزعت الهيئة 22 سنة سجنا على باقي المتهمين، بينهم شقيقان من مواليد الثمانينات كانا يدبران شركتين مملوكتين للقابض الجهوي، تمت إدانتهما بـ8 سنوات سجنا لأحدهما وسنتين حبسا للثاني، كما أدين مقاول كبير استفاد من عمليات النصب واختلاس أموال الدولة من مديرية الضرائب بست سنوات سجنا، فيما أدين مقاول شاب من مواليد 1986 بكلميم توبع في حالة سراح بسنتين حبسا نافذا.
وضمن العقوبات المشددة التي نطق بها القاضي كشتيل نيابة عن الهيئة القضائية، تمت مصادرة كل ممتلكات وأموال وسيارات المتهمين التي لها ارتباط مباشر وغير مباشر باختلاسات أموال الدولة في هذا الملف، إضافة إلى تغريمهم مبالع مالية ناهزت 400 مليون سنتيم، علما أن ممثل النيابة العامة كان قد طالب، في إطار مرافعته القيمة التي تناغمت مع رهان الدولة في محاربة الفساد والتلاعب بالمال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، بتشديد العقوبة في حق القابض الجهوي ملتمسا الحكم عليه بـ 15 سنة سجنا نافذا بعد اختلاسه ما يقارب أربعة مليارات سنتيم من الخزينة المالية لمديرية الضرائب.
وحسب أطوار الجلسة المثيرة التي تابعت «الأخبار» كل تفاصيلها، لم ينف المتهم الرئيسي تصريحاته التي أدلى بها أمام قاضي التحقيق، حيث بسط أمام المحكمة سيناريو تلاعبه بملايير الإدارة الجبائية التابعة لمديرية الضرائب بالرباط، وكيفية اختراقه لأنظمة معلوماتية وبرانيم خاصة بإدارة الضرائب من أجل إجراء تحويلات مالية تقدر بمئات الملايين إلى حساب شركات وهمية، وتبييضها عن طريق اقتناء سيارات فارهة من نوع (BMW) و(رانج روفر)، التي سلمها بالوثائق لزوجته ووالدته، معللا تحويلها لملكيتهما بمحاولة تمويه مصالح المراقبة وإبعاد الشبهات عن ممتلكاته التي يصرح بها لدى المصالح المختصة، حسب قوله.
وبذكاء كبير حاصرت الهيئة المتهمين الستة المتابعين في حالة اعتقال وكذا المتابعين في حالة سراح، باعترافات المتهم الرئيسي الذي ورطهم في جناية المشاركة في اختلاس أموال عمومية وجرائم التزوير واستعمال أختام وطوابع بريدية للدولة بهدف التدليس والتزوير، حيث عجز كل من المقاول ومديري شركتين وصهر المتهم الرئيسي، وهو مستثمر بمراكش وزوجته عن تبرير التحويلات المالية الدسمة التي استفادوا منها بعد قرصنتها من الحسابات الخاصة بالدولة وبمديرية الضرائب تحديدا، في الوقت الذي برر البعض تفاعلهم مع العروض المغرية للقابض الجهوي وسخائه في تسليمهم الملايين لتمويل مشاريعهم ومقاولاتهم، بامتلاكه لشركة ضخمة متخصصة في «الاستشارات الجبائية» التي كانت تدر عليه مداخيل كبيرة، ظل يبرر بها إنفاقه وهوسه باقتناء العقارات والشقق والسيارات الفارهة واحتضان مشاريع العائلة التي كانت تدبر بالوكالة عنه بتخطيط منه.
يذكر أن هذه الفضيحة كانت قد تفجرت في مارس من السنة الماضية، حيث اعتقلت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمدينة الرباط، شخصين، أحدهما قابض مركزي بالإدارة الجبائية للضرائب، وذلك للاشتباه في تورطهما في قضية تتعلق باختلاس أموال عمومية وغسيل الأموال، وفق ما كشفت عنه مديرية الأمن. وأوضحت الأبحاث والتحريات المنجزة، وعمليات التدقيق والافتحاص المحاسباتية التي أجرتها فرق مركزية مختصة من مديرية الضرائب، أن المشتبه فيه الرئيسي قام بتحويل مبالغ مالية مهمة لحساب شركة «واجهة» في اسم مشتبه فيه ثان، بدعوى أنها مرجوعات الفائض الضريبي على الشركات، قبل أن يتم صرف المبالغ المختلسة، التي فاقت أربعة مليارات سنتيم، مع توظيفها في اقتناء أصول عقارية ومنقولات، علاوة على ضخ جزء منها في حسابات بنكية خاصة بأفراد من أسرة المتهم الأساسي.
وحسب معطيات التحقيق، فإن الإجراءات والتدابير التحفظية التي باشرها المحققون مكنت من استرجاع كل الأموال السائلة المختلسة تقريبا، وحجز الأصول العقارية والسيارات المقتناة من العائدات الإجرامية، كما تم الحجز على الممتلكات التي تتواجد ما بين مراكش وتمارة والأموال المختلسة والسيارات الفاخرة لفائدة مديرية الضرائب.