المصدر: اليوم 24
البروفيسور محمد سعيد قرورق، أستاذ علم المناخ
منذ السنوات الماضية يحذر العديد من الباحثين عبر مئات الأبحاث المنشورة، من تأثير تغير المناخ، ما هي الأسباب الوجيهة لهذه التحذيرات؟ وما هي دوافعها؟
هذه التحذيرات نابعة من تطور البيئة الأرضية من الناحية الجوية، فمنذ الستينيات، ولاسيما في السبعينيات والثمانينيات تبين أن مناخ الأرض أصبحت حرارته ترتفع، وعندما تساءل الباحثون عن أسباب ذلك، تأكدوا أن البشرية هي المسؤولة عن هذه الوضعية، وبالتالي، أصبحت أبحاث العلماء تؤكد يوما بعد آخر أن ما يحدث هو نتيجة تغير في التركيبة البيئية للغلاف الجوي، وهذا ما يجعل حرارة الأرض تنحبس بين الغلاف الجوي وسطح الأرض، ويؤدي إلى ارتفاع الحرارة، الأمر الذي جعل الباحثين يقومون بهذه التحذيرات ويوجهونها، لاسيما لأصحاب القرار على صعيد الكرة الأرضية، وفي مقدمتهم رؤساء الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية وروسيا والصين.
إذ يوما بعد يوم وسنة بعد أخرى، يتأكد على أن المناخ يزداد احترارا، وظواهره الجوية تزداد أكثر حدة وقساوة من المألوف، وهذا يهدد البشرية، ويهدد أنشطتها.
التقارير الجديدة للتغيرات المناخية تؤكد معطيات صادمة تفيد بأن ارتفاع منسوب المحيطات سيؤدي لا محالة إلى اختفاء مدن بأكملها، ما هو تعليقك على ذلك؟
التقارير الأخيرة هي عبارة عن البرامج التي قامت بها الهيئة البيحكومية للتحولات المناخية، التي هي الآن في طور إعداد تقريرها السادس، وفي برنامجها قررت أن تهيئ برامج خاصة كان أحدها عن المحيطات والأوساط المتجمدة، بما فيها القطب الشمالي والجنوبي، وعلاقته بظاهرة الاحترار الأرضي، وخلصوا إلى أن ارتفاع حرارة الأرض كما هي عليه الآن، واستدامة وتواصل ذوبان الجليد بفعل هذه الحرارة المرتفعة سيؤدي إلى تقلص الجليد، وإلى ربما اندثاره بصفة نهائية، وهذا معناه أن المياه التي كانت متكدسة في الجليد، ستذوب وستصب في المحيطات، والنتيجة أن مستوى المحيطات سيرتفع، وسيُضاف هذا الارتفاع إلى التمدد الحاصل في المياه، بفعل ارتفاع حرارتها، لأن المياه عندما تكون باردة يكون حجمها صغيرا، ولكن حينما ترتفع حرارتها تتمدد.
تمدد مياه المحيطات بفعل الحرارة، إضافة إلى ذوبان الجليد سيجعلها ترتفع، وهذا من شأنه أن يهدد المناطق الساحلية، لاسيما المناطق المنخفضة، وهذه العملية تهدد مناطق متعددة عبر العالم، مثل المناطق التي تحتوي على الأنهار الكبرى، والمناطق المنخفضة كهولندا، وفي مجموعة من الدول، بما فيها المغرب الذي سيعاني من مثل هذه التحديات.
ما هي المناطق المهددة في المغرب بفعل ارتفاع منسوب مياه المحيطات؟
المناطق المهددة بالمغرب هي المناطق الساحلية المنخفضة على وجه الخصوص، وكذلك، المناطق الساحلية التي هُيئت بطريقة غير معقلنة. وكما تعلمون، فإن مجموعة من المناطق بالمدن تمت تهيئتها في السنوات الأخيرة، لاسيما في فترات الجفاف في الثمانينيات والتسعينيات، فكان بارزا أن تهيئتها الساحلية تمت بطرق غير عقلانية وغير مندمجة، الشيء الذي جعل هذه المناطق تعاني في السنوات الأخيرة من عمليات تسرب مياه البحر ومن الأمواج العاتية، ومنها أيضا ارتفاع منسوب مياه البحر الذي لا يحس به الناس، فالذين يحسون به فقط، هو وجود ظواهر طبيعية جديدة بدأت تغزو المناطق الساحلية، وهي التي تسمى بـ”تسونامي”.
عندنا مناطق ساحلية بالمغرب مهددة بفعل انخفاضها، وهنا لا بد أن أقول على سبيل الإخبار إن سهل الغرب يعتبر من المناطق المهددة، الذي كان عبارة عن منطقة مغمورة تم تجفيفها وتطويرها وتوظيفها فلاحيا، لكنها تظل من الناحية الطبوغرافية أقل ارتفاعا من منسوب البحر.
اليوم، عندما يرتفع منسوب البحر، فإن واد سبو لا يمكنه أن يتجه نحو البحر، وهذا الأخير سيغمره لا محالة، وستبقى المياه منحبسة داخل السهل. كما نجد مناطق منخفضة أخرى مهددة مثل مصب واد لو في الشمال بجهة تطوان كمرتيل، وخليج طنجة وأكادير، إضافة إلى كورنيش الدارالبيضاء، الذي كانت توجد بها إلى حدود سنوات الثمانينيات والتسعينيات، عدة مرافق خصوصية يسبح فيها المواطنون. اليوم، بات من الصعب أن يرتادوها لأنها مغمورة بالأمواج، وأثناء فصل الشتاء تخربها وتهدمها، وهذا من بين تأثيرات ارتفاع منسوب البحر.
إذا زاد منسوب ارتفاع البحر، مع الظواهر الجوية العادية، كالرياح القوية، فهذا كله يؤدي إلى تخريب شامل لهذه المناطق، فهي سواء أكانت منخفضة أو تمت تهيئتها بطريقة غير منطقية، فهي تعاني من هذا الخطر المحدق بصفة شمولية.
وفقا لهذا التحليل، فإن المغرب ليس بمنأى عن هذا الخطر، في اعتقادكم كيف السبيل إذن، لمواجهة هذه التهديدات؟
هي سبل متعددة، لكنها صعبة في اعتقادي، لأننا نواجه إشكالين لا بد من حلهما، أولهما هو الحفاظ على ما هو موجود، وهذه العملية ليست بالسهلة، وهو ما يسمى بالتأهيل والمحافظة على البنى التحتية داخل المدن المغربية، على غرار المدن العالمية. فالبنى التحتية التي طورناها، لاسيما شبكات الصرف الصحي التي هيئت على بنى كانت موجودة في السبعينات والثمانينيات، وربما في الستينيات. لكن اليوم، أصبح النظام الجوي والمائي نظاما مغايرا، لذلك، فهذه البنية لم تعد قادرة على القيام بوظائفها التي أصبحت متجاوزة، بمعنى أنه يجب أن نؤهل هاته البنى، وبالتالي، هو عمل شاق يحتاج إلى موارد مالية كبيرة، ووقت كاف.
إذا أردت أن تقوم بتهيئة وتأهيل شبكة الصرف الصحي في مدينة مثل الدار البيضاء، يجب أن نطرح السؤال التالي: من أين سنبدأ؟ وأين سننتهي؟ وكم يلزم من الوقت والمال!! وكيف يمكن لهذه الشبكة أن تستوعب من مياه الأمطار التي كانت تتساقط في سنة وأصبحت اليوم، تنزل في يوم واحد؟ وهذا ينطبق على جميع المدن المغربية الأخرى. في اعتقادي المسألة لا تكمن فقط، في توفير اعتمادات مالية، بقدر ما هو تحدي يواجه المسؤولين من أجل إعادة تهيئة البنى التحتية لتواكب هذه التغيرات المناخية الجديدة، وهل سينجحون في تطبيقها، وهذا ما يتسبب للسياسيين ومتخذي القرار في إكراهات كبيرة.
إشكال ثان، وهو أن الاحترار الأرضي يخلخل مجموعة من الأنظمة القائمة، وفي مقدمتها النظام المائي بالمغرب وعملية استعماله، ثم كيف السبيل لمواجهة الخطر المحدق بالفلاحة، خصوصا وأن الأمطار أصبحت طوفانية، هل يمكن السماح للفلاحة أن تأخذ المقدار نفسه من الماء الذي كانت تستفيد منه، وهذا في اعتقادي أمر صعب وغير ممكن اليوم، إذ أصبح هناك صراع ظاهر على الماء من طرف مستعمليه، لاسيما بين الصناعة والفلاحة والسياحة، أما الاستعمال العادي للماء فهو ملف آخر، مازال لم يطرح بحدة كما في المجالات التي ذكرت سالفا، فهي تحديات لها تداعيات اقتصادية بالأساس، وبالتالي، فالحلول الموجودة هي صعبة المنال، لكنها ممكنة. من أي سنبدأ؟ وكيف سنواجه هذا الخطر المقبل؟ الجواب في نظري هو سياسي ليس أنا من يجيب عنه، أنا كباحث يمكنني فقط، أن أقترح سبل الحل بعد تشخيص الوضع، فدوري أن أناقش هذه القرارات إذا تبين لي أنها تتضمن خللا معينا.
تتحدث عن تهديدات التغيرات المناخية وعلاقتها بأزمة ندرة المياه، ما هي أبرز تداعيات هذا الخطر المحدق بالثروة المائية للمغرب؟
موضوع ندرة الماء بالمغرب له شق طبيعي وبشري، كما له تجليات اقتصادية وسياسية. السؤال المطروح في نظري، ما هي العلاقة بين الطبيعة والعلم والماء؟ والجواب هو أن المورد الأساسي للمياه بالمغرب هو الأمطار، لكن ما يجري الآن، هو أن التحول الجوي جعل المناخ يتخلخل ومعه الدورة المائية التي تتحكم فيها الحرارة والرطوبة. فالأمطار التي كانت تتساقط بالمغرب لم تعد تسقط بالطريقة ذاتها، بغض النظر عن الكمية هل هي نفسها أم لا. ما هو ملاحظ اليوم، هو أن هناك خلخلة زمانية ومكانية، خصوصا وأن الأمطار لم تعد تسقط في شمال المغرب فقط، فقد أصبحت تسقط، أيضا، بالمناطق الجنوبية، وهي أمطار لا نستفيد منها ولا يتم تجميعها أو استغلالها في الفلاحة، بل بالعكس من ذلك تخلق دمارا كبيرا، وهذا إشكال ينبغي أن نهتم به، فهذه حالة دائمة وليست عارضة، وهي من مميزات النظام المناخي الجديد الذي يؤثر على الماء، أضف إلى ذلك هو عندما ترتفع الحرارة، فإن التبخر يزداد، واليوم بدا واضحا ارتفاع كميات الماء التي تتبخر، وأصبحت المياه النفعية مغايرة، ففعالية الموارد المائية تنعدم شيئا فشيئا. ومن جهة أخرى، أصبح المغاربة يستعملون الماء بطريقة أكبر من ذي قبل، فمستوى استعمال الفرد للمياه في الستينيات كانت تفوق 1000 متر مكعب. اليوم، هذا العدد هو أقل بكثير، وهذا شيء طبيعي مع ارتفاع عدد السكان، والتطور التكنولوجي والديمقراطية، فرض دمقرطة الوصول إلى الموارد المائية واستعمالها. اليوم، لم يعد المشكل في المورد المائي، بل في استعماله، إذا زاد الاستهلاك عما هو متوفر من الموارد المائية فسنكون في خطر حقيقي، وهذا كله يهددنا بخصاص متوقع في الماء بصفة عامة، والتغير المائي هو خلخلة في الدورة المائية، ولكن، كذلك، هو ارتفاع الاستهلاك كثيرا، وهذه التحديات لا يمكن الاستمرار فيها لأنها غير متكافئة وغير مجدية ويجب أن نعالجها بسرعة كبيرة جدا، لأننا كلنا معنيون بها.