أنا الخبر ـ الأيام 24
تداولت صفحات فيسبوكية رسالة مؤثرة حررها أستاذ في مدينة العرائش وتركها خلفه بعد أن قرر الرحيل إلى كندا رفقة زوجته التي تشتغل أستاذة هي الأخرى.
محرر الرسالة “ع.ص” أستاذ كان أثناء مقامه في المغرب مدرسا بإعدادية زوادة بالعرائش، وزوجته “خ.ش” كانت تدرس في مؤسسة أخرى في المنطقة ذاتها، كشف من خلالها أنه قرر التخلي عن مهنته وحلم الدكتوراه والسفر إلى كندا للعيش هناك.
والرسالة المؤثرة عبر خلالها عن بعض مما عاناه في مهنته وصعوبة الظروف التي كان يشتغل فيها وعدم رضاه على سياسات الحكومة في قطاع التعليم.
وفيما يلي نص الرسالة:
لأول مرة منذ 8 سنوات، يحل شهر شتنبر دون صخبه المعتاد. لا “عودة ميمونة، أستاذ” تتناثر هنا وهناك بين الزملاء. لا أستلم “عدتي البيداغوجية” المتمثلة في دفتر رخيص وطبشور مكسور وممحاة لا تمحي آثار الطبشور إلا لتنثره داخل قفصي الصدري. لا ضجيج تلاميذ متحمسين للسنة الجديدة، ولا نظرات كآبة وسخط تعلو وجوه آخرين لأنهم سيكررون للعام الثاني أو الثالث محاولة اللحاق بمن سبقوهم من الزميلات والزملاء. يعود شتنبر دون أن يستوقفني آباء وأمهات وأولياء أمور في الشارع العام لاستعطافي لقبول بناتهم وأبناءهم المطرودين من صفوف المدرسة لسبب أو لآخر.
يعود شتنبر ولا يعود معه ترقب جدول الحصص القاض للمضاجع، ولا إرهاب الفائض المشتت لشمل الأسر. يعود شتنبر دون أن ترتج روحي خوفا على زوجتي التي تخاطر بحياتها لساعات يوميا في طرقاتنا الوطنية؛ فعش الزوجية في مكان، ومقر عملي في مكان آخر ومقر عمل زوجتي في مكان ثالث، أيستقيم هذا؟
يعود شتنبر ولا أعيد ملئ ورقة شخصية سخيفة تسألني كل مرة عن اسمي ورقم تأجيري وعنواني وتاريخ ميلادي وشهاداتي (التي لا تساوي عند الوزارة شيئاً) وجدول حصصي… دون أن تسألني عن مدى رضاي عن عملي وعن ظروفي ودون أن تلتفت لحاجياتي المهنية والنفسية والمادية.
يعود شتنبر وقلبي منشرح لأنني لن أعاود المشاركة في مهزلة وطنية يكنونها امتحانات الباكلوريا والباكلوريا منها براء. يعود شتنبر دون أن أرى وجوهاً رجعية عابسة كارهة للحياة تتدخل في شؤوني الخاصة، أما العام منها فحدث ولا حرج.
يعود شتنبر وقد تركت أنا وزوجتي وظيفتينا، وبعنا سيارتنا وطلقنا معاً حلم شهادة الدكتوراه (الإنجليزية والتاريخ القديم) بعد 3 سنوات من البحث. فمن المسؤول؟..
يعود شتنبر ملبداً بالغيوم وحابلاً بالتساؤلات حول المستقبل. يعود شتنبر وأنا شبه مفلس مادياً… لكنني كلي أمل؛ أمل لم أكن أدرك أن بالإمكان إحياءه في نفسي بعد كل ضربات حكومة الملاعين. يعود شتنبر وها أنا قد بدأت في لباس السميك من الثياب على غير العادة، فمناخ أمريكا الشمالية بارد كما تعلمون، لكن برودة الظلم والتحقير والاستبداد أقوى وأكبر وأدهى وأمر!
تحياتي لكم جميعا من مقاطعة كولومبيا البريطانية، كندا.