أكد المغرب، اليوم الثلاثاء أمام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، على أهمية تقاسم التجارب الناجحة والممارسات الفضلى في مجال العدالة الانتقالية بالبلدان الإفريقية.
وشدد الوفد المغربي، خلال اجتماع للمجلس حول “العدالة الانتقالية وبناء السلام بعد النزاع”، عقد عبر تقنية المناظرة المرئية وترأسه السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا، محمد عروشي، على ضرورة تعديل مقاربات العدالة الانتقالية بما يتناسب مع خصوصيات السياقات المحلية، مع التأكيد على ضرورة توفير دعم متواصل من قبل أصحاب المصلحة على المستوى الوطني والقاري والدولي.
كما دعا الوفد المغربي إلى برامج لجبر الضرر للتعويض عن الأضرار الجسدية والنفسية والاقتصادية التي لحقت بالضحايا مع التركيز بشكل أكبر على القضايا المتعلقة بالمظالم الاجتماعية والاقتصادية الهيكلية والمنهجية، التي غالبا ما تكون الأسباب الجذرية للنزاعات.
وأشار إلى أن العدالة الانتقالية في إفريقيا تكتسي أهمية بالغة بالنظر للنزاعات المتعددة التي شهدتها القارة، لافتا إلى أن العديد من البلدان الإفريقية اضطرت إلى اللجوء إلى العدالة الانتقالية، واختيار المقاربات والآليات الأكثر ملاءمة للسياقات الخاصة بكل بلد.
وأضاف أن العدالة الانتقالية وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع عمليتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا وغالبا ما تكونان مترابطتين. والواقع أن إعادة بناء المجتمعات التي مزقها العنف لا يمكن أن تتحقق دون استعادة الثقة بين المجتمعات المنقسمة، وهو ما يجعل من تعزيز الثقة عاملا ضروريا لنجاح جهود إعادة الإعمار بعد النزاع.
وأبرز الوفد المغربي أن آليات العدالة الانتقالية، من قبيل لجان الحقيقة والمحاكم فضلا عن برامج تعويض الضحايا، تساهم في علاج الصدمات الفردية والجماعية، مؤكدا أن ساكنة مستقرة نفسيا واجتماعيا أكثر قدرة على المشاركة بنشاط في إعادة الإعمار بعد انتهاء النزاع.
وأوضح أن أي استراتيجية للعدالة الانتقالية ستكون عديمة الجدوى إذا لم تكن مصحوبة بإصلاحات سياسية ومؤسسية ودستورية وقانونية شاملة، تشارك فيها كافة الأطراف المدركة لهذا الواقع.
وذكر الوفد المغربي بأن المغرب انخرط في مسار العدالة الانتقالية منذ تسعينيات القرن الماضي، مجددا التأكيد على أن اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش في سنة 1999 قام بتسريع هذه العملية.
وأكد أن هذا الالتزام، على أعلى مستوى في الدولة، مكن المغرب من إرساء نموذجه الخاص للعدالة الانتقالية، المتجذر في إطار استمرارية نظامه الديمقراطي والدستوري، لافتا إلى أن فلسفة التجربة المغربية أبرزت أهمية الروابط بين العدالة والمصالحة وجبر الضرر.
وأشار الوفد المغربي إلى أنه تم اتخاذ الخيارات وتم نشر التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة.
ويمثل إحداث هذه الهيئة بشكل خاص تتويجا للمناقشات بين مختلف الفاعلين في المغرب، بما في ذلك المجتمع المدني وضحايا الانتهاكات السابقة وأسرهم.
وذكر الوفد المغربي بأن صاحب الجلالة الملك محمد السادس كلف في عام 2006 المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا)، بمتابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وهي المهمة التي يواصل المجلس السهر على تنفيذها.
وأكد أن المغرب سعى دائما إلى تقاسم تجربته في مجال العدالة الانتقالية مع كل من يرغب في الانخراط في مقاربة مماثلة.
وذكر الوفد المغربي في هذا السياق بأن المملكة كانت قد احتضنت في شتنبر الماضي المنتدى الإفريقي السابع للعدالة الانتقالية، مبرزا أن الإعلان الذي توج هذه الدورة ركز، على وجه الخصوص، على الترابط بين العدالة الانتقالية والمساواة بين الجنسين، والصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي والعدالة السوسيو-اقتصادية في إفريقيا، فضلا عن أهمية اعتماد مقاربات وبرامج وسياسات منسقة في هذا الاتجاه.
وشارك في الاجتماع العام الذي انعقد قبل الجلسة المغلقة لمجلس السلم والأمن، مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، ورئيس اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، وممثل وفد الاتحاد الأوروبي لدى الاتحاد الإفريقي.
وهنأت العديد من الدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن، في مداخلاتها، المغرب على رئاسته للمجلس لشهر فبراير الجاري.