إلى أين يريد أن يصل من يقفون خلف “زوبعة لقجع” (الفيسبوكية) التي أثارت -ولا تزال- ضجّة واسعة، تجاوزت تفاعلاتها الحدود بسرعة البرق و”تلقّفها” المُتربّصون -كما عادتهم- ليخدموا بها أجنداتهم السّياسية، وْحنا حالّينْ فّامْنا ونقدّمو ف الهْدايا للّي يْسوى وما يسواشّ، وْ… الرّجا فْ الله!؟ إذ كيف “اكتشف” كلّ هؤلاء -فجأةً- أنّ لقجع “فاسد” وفاعْل وتارْك، رغم أنّ ما يعرفه الجميع أنّ الرّجل أمضى حتى الآن ما يناهز عشر سنوات على رأس جامعة الكرة، في ولايته الثالثة!؟
لم أشأ -بالتعبير الصّحافي الشّائع- أن “أدخل على خط” هذه “الزّوبعة” التي أثيرت -فجأةً- حول الرّجل، الذي لا يُهمّني فيها كمُهتمّ بالشّأن الرّياضي سوى أنه كان رئيسَ الجامعة الملكية المغربية حين حقّق المغرب إنجازاً تاريخياً لا يُمكن لأيّ مغربي -من طنجة إلى الگويرة- إلا الافتخار به والاعتزاز أيّما فخر واعتزاز.. وطبعاً، تقديمه كشوفَ “حساب” ما رُصد للجامعة وأوجُه صرفه والنتائج المُحقّقة مقارنة بالميزانية التي وُضعت تحت تصرّفه، و”محاسبة” المُتورّطين في بعض “الفضائح” التي تفجّرت هنا وهناك في عهد رئاسته لجامعة الكرة.. ما عدا هذا لا يعنيني شيء آخر من هذه “الهلوسات”، التي سرعان ما تشعّبت لتأخذ منحى آخَر أبعدَ ما يكون عن ملاعب الكرة و”مشاكل” أندية الكرة..
وبغضّ النظر عن كونها تتحمّل مسؤولية “الابتعاد” بالقضية عمّا يجري في الملاعب وأيضاً في “الكواليس” من “خروقات” و”اختلالات”، فلا أظنّ أنّ جماهير الرّجاء (وأنا هنا أتحدّث عن الجماهير بمعناها “العادي”، وليس عن “المُندسّين” أو أيّ “صنف” أو “گنسْ” آخر) تستحقّ بأيّ حال من الأحوال أن توصَف بـ”الخوَنة” وغير ذلك من النّعوت “الكبيرة”، التي لا يجب “التشيارْ” بها هنا وهناك كلما أثير اسم مسؤول أو مُؤسّسة في قضية ما، أولا لأنّ الوضع الطبيعي هو وضع أيّ مسؤول كيفما كان تحت مجهر المراقبة، وثانياً لأنّ هذه الجماهير نفسَها التي تُتّهَم الآن بـ”التخوين” هي نفسُها التي أبدعت روائع الأهازيج والأناشيد التي صنعت الفرح في مدرّجات الملاعب، لعلّ أشهرها تحفة “في بْلادي ظلموني”، التي انطلقت من “الكورفا سيدْ” تحديداً لتجتاح المغرب الكبير شعاراً يعكس الانشغال بهموم الشّارع والمعيش اليومي للمواطنين..
كما أنّ هذه الجماهير هي نفسُها التي ردّدت “العْيون عينيّ وْالصّحرا مْغربيّة” في قلب الجزائرية وأصرّت على “تثبيت” العلَم الوطني في ملاعبها في عزّ تصعيد “الجيران”، تعبيراً منها على أنّ الوطن في القلب ومكانه ومكانتُه في كلّ قلوب المغاربة غيرُ قابلَين للمناقشة أو المساومة! وهذه الجماهير “الخائنة” هي نفسُها الجماهير التي “قزّمت” حفيدَ مانديلا “الصّغير” وهي ترُدّ عليه بـ”التيفو” المعلوم وبشعارات قويّة أعادته إلى حجمه الطبيعي “مُرتزقاً” تحت عباءة الجزائر باع ذمّته لجنرالاتها ليخرُج في تلك الهجمة “المسعورة” ومدفوعة الثمن ضدّ المغرب وضدّ وحدته الترابية في كلمته الغبية خلال افتتاح تظاهرة كُروية رياضية لا موقع فيها من الإعراب للسّياسة، خصوصاً من منظور فهم كابرانات الجارة الشّرقية المسكينة لأبجديات السّياسة!..
لكنْ لمصلحة مَن اتخذ هذا “الاختلاف” في وجهات النظر وجهة “خلاف”، مُستغِلا فورة هذه الغيرة على فرَقها من ثيَل جماهير لا تقلّ وطنيةً عن غيرها من الجماهير المغربية في كل مدينة وبلدة عاشقة لفريقها لكنْ بدرجة أُولى لهذا الوطن، الذي ليست لنا شروط لكي نُحبّه؟.. فما وقع -مبدئياً- أنّ سليمان المراني، لاعب أولمبيك آسفي، كان قد جمع أربعة إنذارات في مباريات سابقة، وطبعاً “منطق” وقانون الكرة يقولان إنه لا يمكن أن يلعب المباراة التالية أمام الرّجاء البيضاوي، لكنّ اللاعب -وبقدرة قادر- ودون أن “ينتبه” إلى خرْق قانون اللعبة إداريو الرّجاء ولا نُظراؤهم في الأولمبيك ولا حُكّام المباراة ولا أيّ شخص داخل المنظومة الكروية في البلد كلها، لعب المباراة “عادي”، وكأنّ شيئاً لم يكن! مع أنّ مثل هذه “التجاوزات” لا يمكن أن تحدُث ولو في “بطولة رمضان”، فما بالك بدوري لـ”المُحترفين” يُصنَّف بين أقوى الدّوريات في المنطقة المغاربية، بل وفي كل القارّة!؟
وطبعاً، لم “يُنتبَه” إلى هذا “التسلّل” الواضح إلا بعدما خسر الرّجاء المباراة (1 -3).. وهنا، ارتفعت الأصوات من داخل محيط الرّجاء مُطالبةً بـ”الإنصاف”، وهذا أمر قانوني وحقّ طبيعي في مثل هذه الحالات.. لكنّ الأمور دخلت بعد ذلك في “متاهة”، بين لجنة المسابقات في الجامعة، وتقرير الحكم، الذي لم يُسجّل أنّ اللاعب نال الإنذار (الرّابع) في المباراة السّابقة لفريقه (أظنّ أمام شباب المحمدية).. و”الكاميرا” التي لم تلتقط “لقطة” اللاعب وهو يحصل على الإنذار.. وتأخُّر المطالبة بخصم النقط الثلاث من الأولمبيك ومنحها للرّجاء… المُهمّ أنّ مسطرة المطالبة باعتبار الرّجاء فائزاً (بالقلم) بعدما خسر المباراة بالقدم دخلت في “متاهة” حقيقية، انتهت بهذا التصعيد وهذه الحِدّة اللذين نعرف اليوم وبهذه الأفعال وردود الأفعال، التي يبدو أنها لن تتوقف عند هذه “الحدود” على الأقلّ على المدى المنظور…
لكنّ ما أثارني شخصياً هو هذا التحوّل المُخيف الذي اتخذته مَطالب طبيعية وعادية تحدُث في كلّ بطولات العالم ودورياته، بعدما خرجت عن رقعة الملعب وتعدّت حتى رقعة جامعة الكرة نفسها، بل وحدود المغرب، ليتلقّفها المُتربّصون بـ”زيوت الفتنة” ليصبّوها على نار الاختلاف فيُصيّروها نار “خلاف” لا تُبقي ولا تدر.. وإذا كنا جميعاً نعرف المُتربّصين خارجياً ولا “نخافهم” لأننا نعرف أنهم “جنرالات” جعجعة بلا “حرب”، فإنّ ما أخافني شخصياً ويُخيفني هم “أعداء الدّاخل”، الذين يصعُب حصرهم وتحديدُ “طبقاتهم” و”أصنافهم” و”غاياتهم”، والذين على الجميع أن يخشاهم في الحقيقة، لأنّ نتائج أفعالهم وسلوكاتهم و”حماقاتهم” يكون لها وقع فوريّ وبالغ الخطورة..
ما أثارني، بل استفزّني في الحقيقة، وجعلني أغيّر رأيي بشأن الخوض من عدمه في هذه “القضية” هو مقطع مُصوّر قصير تقاسمه أحد أصدقائي في صفحته الفيسبوكية من باب الدّعابة و”البْسط” فقط، لكنْ حين شاهدتُ المقطع و”سمعتُ” ما دار فيه من حوار ارتعبتُ فعلاً من مضمونه الصّادم حقيقةً لا مجازاً.. وسأحاول أن أضعهم في “صورة” ما رأيتُ في هذا المقطع المصور حتى تفهموا سياق كلامي ومنطلقه ورسالته.. صُور المشهد في شوارع أگادير، عاصمة سوس “العالمة”، أو لنقل التي “كانت” عالمة على عهد من يعرفون حقّ العلم ويُقدّرونه، على شاكلة “العلاّمة” ومن سار على نهجه..
صُور الفيديو، الأحد، مباشرة بعد انتهاء مباراة حسنية أگادير والرّجاء (2 -1 لفائدة الفريق السّوسي) وكان مُصوره داخل سيارة برفقة صديق له أو صديقَين، وجدوا في طريقهم سدّا أمنياً (باراجْ) وجّهتهم عناصره الأمنية نحو طريق آخر “سالك”، فشكروهم وواصلوا طريقهم.. لكنْ ما هي إلا أمتار قليلة حتى أدركوا أنّ الطريق لم يكن “سالكاً” في الحقيقة.. ففجأةً، ومن العدم، ظهر “فتيان” ثلاثة، “هائجين” ومُسلّحين بالحجارة، وقطعوا عليهم الطريق، مُلوّحين بما في أيديهم من سلاح فتّاك كفيل بأن يُحوّل المشهدَ في لحظة إلى مأساة حقيقية…
ولم “يسلك” المُشجّعون بأجسادهم وسيارتهم سليمةً من هذا “الباراجْ” إلا بفضل فطنة أحدهم ودهائه، إذ أسعفته قريحته في “الاستنجاد” بما علق في ذاكرته من كلمات أمازيغية، فبدأ في الحال يُصرّح لـ”قطّاع الطرُق” الفتيان بأنهم (هو وأصدقاؤه) من “أيتْ أُوگاديرْ” وهو يُردّد ومن معه “أيتْ أُوگاديرْ أ نگا.. أيتْ أُگاديرْ، الحسنية.. وْالله أبْلا أيتْ أُگاديرْ أ نگا”.. هكذا فقط “أفلت” هؤلاء المُشجّعون بجلدهم وبمتاعهم سالمَين من “قطّاع طُرُق” في عنفوان “طفولتهم” (وليس حتى شبابهم) وهم “يتعلّمون” أبجديات الفوضى والتسيّب و”التعدّو” على الناس، مُستغلّين مباراة لكرة القدم، في مشهد مُقرف، خصوصاً أنّ “أبطاله” ما زالوا بالكاد “أطفالا” في بدايات مراهقتهم و”ابتلائهم”، إذ إنهم طلبوا “سجائرَ” ممّن كانوا داخل السّيارة، وفق ما بدا من حركة أحدهم ومن أجوبة من كانوا داخل النّاقلة مع مُصوّر هذا “المشهد” المُريع، الذي يعطي فكرة واضحة عمّا يريد البعض أن يقودوا إليه البلاد والعباد تحت عباءة التّشجيع، والتشجيعُ منهم ومن جموحهم و”إرهابهم” براء..
نعم، هو “إرهاب” للغير أن تعترض طريقَه وتُهدّده بأن “تفرشخه” وسيارتَه أو درّاجته تحت أيّ ظرف كان.. أن تقطع الطريق على مغربي (بحالك بحالو) وتُهدّده لتعرف هل هو أمازيغي أم لا، فإن كان أمازيغي “تسمح” له بالمرور، وإن لم يكن كذلك “تفعل” به ما تمليه عليك غريزتك الحيوانية في “التعدّو”.. فهذه بوادر “حرب أهلية” عرقية، ولا علاقة لها بالكرة ولا بتشجيع الكرة…
فهل هذا “العداء” بين جماهير مختلف الأندية الوطنية ما يريد بعض المحسوبين على “إلتراس” هذه الفرَق أن يُرسّخوه في نفوس الناشئة وهُم يُردّدون بعض الشّعارات من قبيل “وا ريّح ريّحْ أداكْ الشّليّحْ” (مثلاً) إذكاءً لبعض النعرات العرقية والقبَلية، التي يُفترَض في رسائل “الإلتراس” الحقيقيين أن ينبذوها ويعملوا على محوها من الذاكرة الجمعية ويتبنّوا شعارات ورسائلَ أخرى أنبَلَ وأرفعَ وأكثر تسامُجاً وتقبّلا للآخر، المختلف، وتليق بالأهداف السّامية للرّوح الرّياضية، في الرّياضة عموماً وكرة القدم على الخصوص؟!..
وأنا أختم هذه المقالة عن “زوبعة” لقجع، بدأت تصلني فيديوهات وصور لما حدث من “فوضى” و”تخريب” ليلة أمس عقب نهاية مباراة الوداد البيضاوي واتحاد طنجة.. فقد عملت هذه الجماهير، وهي المعروفة بـ”رقيّها” و”تحضّرها”، وهو ما عكسته سلوكاتها وتصرّفاتها على امتداد مباريات كثيرة ساندت فيها فريقها بما تعني المساندة من التزام بقواعد وضوابط التشجيع واحترام لجماهير الفرق المنافسة، على تخريب كلّ ما وصلت إليه أياديها.. فكيف “تحوّلت” هذه الجماهير “الرّاقية” -فجأة أيضاً- إلى جماهير “هائجة” و”ثائرة” تُخرّب مرافق الملعب “المسكين” وتقتلع كراسيه وتقذفها في وجه رجال الأمن بضراوة ونيّة مُبيّتة على الاعتداء وإلحاق الأذى بالبشر والشّجر!؟
أسئلة ضمن أخرى مُعقّدة وشائكة لا شكّ في أنّ ما خفيَ من كواليسها ودوافعها الحقيقية “أعظم”، ينبغي البحث فيها وتقليبها من كافة أوجُهها لإيجاد حلول “سلمية” لها، قبل أن ينفجر في وجهنا جميعاً “غضب” من في “بلادي ظلموني” ونصيرَ على ما أغفلنا من “تجاوزات” و”اعتداءات” على حقوق هذا الفريق أو ذاك “نادمين”..
بقلم: ع. الرّزاق بوتمُزّار -“أنا الخبر”