هل أتاك حديثُ الكراغلة.. يدُقّون طبول “الحرب” و”تهزمهم” أغنية..
خبـرٌ مُحيِّر، غريب وعجيب، ومُحمَّل بغير قليل من “الطرافة” حدَّ “السّاركازم” ومن الغرابة حدَّ طرْق أبواب اللامعقول، ومن الوقاحة أيضاً حدَّ الوضاعة…
كلّ هذا وغيره من المتناقضات التي لا تجتمع اجتمعت في هذا الخبر، الذي مرّ أمام عينيّ مؤخّراً دون أن يُسلَّط عليه ما يكفي الضّوء ويُولَ ما يستحقّ من الاهتمام،
بل والدّراسة والتحليل والتشريح، عسانا ننتهي إلى تشخيص مناسب لهذا الدّاء -“الحالة” الغريبة العجيبة التي صار عليها “الجيران”، اللهْ يردّ بيهُوم، وفقاً للدّعاء المغربي الموتور، على أمل إيجاد ترياق مُداوٍ له..
دعونا أولاً نُلقِ نظرة على الخبر، قبل أن نعود إلى “التعليق” عليه.. يقول الخبر ما يفيد بأن جنرالات النظام “الكابراني” الجزائري فصلوا عدداً غيرَ قليل من المشرفين على إذاعة جزائرية،
ما بين مذيعين ومُعدّي برامج ومنتجين، لا لشيء اقترفوه سوى لأنّهم “تجرّؤوا” وبثّوا… بلاغاً مُناوئاً للنظام العسكريّ القائم بقوة السّلاح والحديد يطالب ببديل يضمن (ولو بعض) الكرامة للمواطن الجزائري ويُتيح له هامشّ حُرّية يتنفّس من خلاله هواء خالياً من أوامر العسكر الطغاة!…
لا، لا، ليس هذا.. يبدو أنني تماهيتُ مع منطق الأشياء ونسيتُ أنني أتحدّث عن بلد يبدو أنه يعيش فعلا في مَجرّة أخرى، بلد صار فيه المنطق منذ عصور مُجرّد “خرافة”…
فكلّ ما بثّت هذه الإذاعة المسكينة هو.. أغنية! نعم، مُجرّد أغنية، و عاطفية “منْ الفُوق”، أي أنه ليس فيها ولو “رائحة” سياسة أو إيديولوجيا ممّا يمكن أن يقضّ مضجع العسكر “الكراغلة”
ويدفعهم إلى تحويل مقرّ هذه الإذاعة “المزغوبة” إلى “ثكنة” عسكرية تعيش على وقع حالة استنفار و”أوامر” التوقيفات تنهال من كلّ حدب وصوب على مسؤوليها المغلوبين على أمرهم..
وصدّقوا أو لا تُصدّقوا، هذا بالضّبط ما حدث في إذاعة “مستغانم“: يتمّ بث أغنية (عاطفية) وبعد لحظات يعيش مقرّ الإذاعة على وقع استنفار غير مسبوق
ويتمّ توقيف أو فصلُ عدد كبير من مسؤوليها إذاعييها وموظّفيها والمتعاونين معها فقط لأنّ الأغنية “مغربية”!..
ولكُم أن تتخيّلوا معي “نظاماً” يتنفّس كلّ هذا الكمّ من الحقد والكراهية تجاه بلد “جار” قدّم كلّ ما قدّم من تضحيات، في الماضي،
حين دافع عن استقلاله من قبضة الاستعمار الفرنسي وغير الفرنسي، وبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس، وأهمّ هذا النفيس أرواح أبنائه،
ناهيك عن الدّعم اللوجستيكي والبشري والمادّي والتزويد بالسلاح والخطط الحربية وبإيواء الفارّين من أبنائه الذين تطاردهم فلول الاستعمار؛
وحالياً حين لا يفتأ يمُدّ اليد ويدعو إلى السّلم والسّلام والتعايش والتضامن والتكافل في إطار “حُسن الجوار”، الذي نقضوه من جانب واحد ومنذ زمان بعيد؛
فلا “يكافئه” كابرانات الزّمان الرّاهن إلا بمزيد من العداء ومناوءة مصالحه والتواطؤ عليه مع الانفصاليين ومع داعميهم حيثما كانوا والتحرّش بأراضيه،
من خلال إيواء هؤلاء المرتزقة ودعمهم بالسّلاح وتبذير أموال البترودولار على “أوهامهم”،
التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تتحقق في زمن تغيّرت فيه موازين القوى وأيضا العديد من قواعد الأزمنة “الباردة” الغابرة التي لا يزال يُفكّر من خلالها جنرالات مفلسون سياسياً وإنسانياً..
والمُحيّر في هذا الخبر والغريبُ والذي يصعب فهمه فبالأحرى استيعابه: كيف لهؤلاء “الصّناديد” و”الشّجعان” إلى درجة أنهم باتوا يُلوّحون،
في كل مناسبة وبدون، بـ”حرب” لا تُبقي ولا تدر ضدّ المغرب، أن يتحوّلوا -فجأة- إلى “جبناء” و”رعاديد” ويعلنوا انهزامهم أمام مُجرّد أغنية لن يتعدّى حيّزُها الزّمني في كلّ الأحوال عشر دقائق.
والأكثر من ذلك أنّ الأغنية عاطفية، أي أنه لا علاقة لها بتمرير “رسالة” سياسية ولا خطاب إيديولوجيّ قد يجدون فيه ما يُبرّر كلّ هذا “الإنزال”
الذي تمّ في ردهات الإذاعة المسكينة وهي تتلقى الأمر تلو الأمر بتوقيف هذا المذيع وذاك المنتج وتلك المشرفة أو المسؤولة.
لكنّ الحيرة تزول تدريجياً ونحن نبحث عن هذه الأغنية التي أحدث بسببها “الكراغلة” كل هذا “الزّلزال” في إذاعة “مستغانم” الجزائرية
ونعرف أنّ الأمر يتعلق بأغنية “سيد الغرام” للمغربية أسماء المنور (في “ديو” مع أصالة نصري)..
ها هو السّبب إذن بدأ ينجلي شيئاً فشيئاً حول دوافع هذه “الرّجة” التي هزّت الإذاعة المذكورة، فـ”القضية فيها إنّ”.. فيها رائحة “المْرّوكْ”،
ونحن نعرف أنّ كلّ ما يُذكر فيه اسم “المْرّوك” أو حتى يُشتمّ فيه يُفاقم “الفوبيا” المرَضية لهؤلاء الكابرانات،
الذين “حار الأطبّاء” -فعلا وليس مجازاً- في تشخيص أسباب هذا الكمّ المفرط لديهم من العداء للمغرب.
ويزداد الأمر وضوحا/ غموضاً بشأن هذا التصرّف المُتطرّف من “كراغلة” الجيران إزاء محطة إذاعية فقط بسبب بثها أغنية،
حين نعرف أنّ أسماء لمنور وأصالة اختارتا الصّحراء المغربية لتصوير بعض المشاهد الخارجية للكليب الخاصّ بأغنيتهما،
وهنا يتّضح أكثر فأكثر سبب هذا “السّعار” الذي أصيب به الكابرانات الحاكمون بأمر الشّعب الجزائري المغلوب على أمره..
فهذه الصّحراء (المغربية شاؤوا ذلك أم أبوه) التي يكره هؤلاء المرضى حتى سماع وصف “المغربية” مقترناً بها والتي سعوا طيلة عقود إلى جعلها مُقترنة بـ”الحرب” والكره والبُغض،
جعلتها المُغنيتان فضاءً لـ”السّياحة” والتنزّه -في أمن وأمان تامّين- على متن سيارتهما -الجيپ “العسكرية” لكنْ ليس من أجل “الحرب”،
بل من أجل الصّدح بكلمات الحبّ والعشق و”الغرام”.. وهذا ربّما ما أوصل “السّعرة” إلى مداها في أدمغة هؤلاء الكراغلة المثيرين للشّفقة،
المسكونين بأحقادهم التي تنهل من قاموس الحرب ومشتقاتها..
عجبي! كيف استطاعت أغنية “غرامية” أن تهزم تجريدة كاملة من العسكر “الكراغلة” ما فتئوا، طوال عقود وعقود، يغرفون من قواميس الكراهية والبغض والحقد
ويتشدّقون بالقوة والشّجاعة والقدرة على دقّ طبول الحرب فوراً وهُم أجبنُ من أن يصمدوا أمام… أغنية “حبّ” لا تتجاوز مدّتها خمس دقائق!..
بقلم: ع. الرّزاق بوتمزّار