في ظلّ استعدادها للمؤتمر المقبل، تحاول شرذمة “البوليساريو” جاهدة “التغطية” عن مظاهر التردّي الفظيع
الذي تهاوت إليه حالة قاطني المخيمات المعيشية في كافة مناحيها، ولو كلّفها الأمر تبذير مبالغ فلكية من أجل ذلك.
وسلّطت العديد من الصّفحات في منصّات التواصل الاجتماعي الضّوء على هذه “الحالة” الصّعبة التي يرزح تحت وطأتها محتجَزو مخيمات تندوف
من خلال صور لأعداد كبيرة من العسكر المُدجّجين بـ”ترسانة” كاملة من الأسلحة وهم يفرضون حصاراً مخيّم الدّاخلة،
الذي يُنتظر أن تعقد فيه “البوليساريو” فصول مسرحيتها المقبلة في منتصف يناير الجاري تحت مسمّى “المؤتمر”.
كما تشارك في هذا الإنزل غير المسبوق، إضافة إلى مليشيات العصابة الانفصالية، عدّة فرق تابعة للأمن العسكريّ الجزائري،
لفرض هذا الطّوق الخانق على المخيم المذكور ومتابعة كل التفاصيل الدقيقة للتحضيرات.
وكثّفت طائرات مروحية تابعة لحرس الحدود الجزائري، منذ الخميس الماضي، تحليقها في سماء المخيّم (حوالي 140 كيلومترا عن الرابوني)
والذي يوجد ما بين القاعدة الجوية في غار “الجّبيلات” وكتيبة المشاة “عرك أقيدي”.
ونشرت الجبهة الانفصالية في كل مدخل للمخيم الصّغير عناصر من “الشّرطة” وحظرت أيّ ولوج أو خروج إلى مخيّم “الدّاخلة”
قبل الحصول على “إذن” بذلك من “مديرية الاستعلام والضبط الجهوية” التابعة للجزائر، والتي يديرها الضّابط الجزائري المكلف بتأمين المؤتمر/ المسرحة،
بينما يُتوقّع أن تُتّخَذ إجراءات إضافية في قادم الأيام، قبيل بداية النّدوة السّياسية في “مخيّم أوسرد”.
وعلى الرّغم من أن مخيمات الانفصاليين تتموقع بين عدّة قواعد عسكرية جزائرية ورغم تطويقها بعدة حواجز رملية بمدخل واحد
و”مراقبة” الولوج إليها أو الخروج منها عبر نظام قوائم التنقل بإشراف “مكتب الاتصال العسكري” في الناحية العسكرية الثالثة الجزائرية،
تعيش الجبهة الانفصالية في رعب شديد مخافة اندلاع “انتفاضة” مُرتقبَة قريباً في مخيماتها،
لا سيما في ظلّ التفاقم المتزايد للوضع المعيشيّ وازداد “احتقار” الجزائر لكلّ ما هو “صحراوي” في هذه المخيمات.
وصارت عناصر الحرس الحدودي الجزائريّ تُعامل الصّحراويين في أراضي الجزائر بفظاظة وعنف شديدين وبعنجهية متزايدة،
ما قوّض الصّورة المعهودة عن قادة الانفصاليين في أعيُن قاطني المخيمات.
واتّضح جلياً، في الفترة الأخيرة، أنّ “قادة” الجبهة الانفصالية ليست سوى حلَقة ضعيفة في سلسلة المُتحكّمين الحقيقيين في المشهد الداخلي في الرّابوني.
وتؤشّر هذه الإجراءات المبالَغ فيها على أن المخابرات الجزائرية سجّلت توسّع رقعة التذمّر القوي وتنامي التمرّد الدّاخلي،
خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن بعض القادة “الوازنين” في الجبهة ما زالوا يرفضون المقترحات التي تقدّم بها “الرّخيص” إبراهيم غالي لهذا المسمّى “مؤتمرا”.
وقد سافر هذا الأخير، مساء الثلاثاء الماضي، إلى الجزائر، ومعه “خريطة طريق” مُقترَحة على أمل تجاوز من الأزمة السّياسية الخانقة التي تشهدها البوليساريو منذ ما يناهز العام.
وفي هذا الإطار أفاد مقرّبون مما يُدعى “الأمانة العامّة” لـ”البوليساريو” بأنّ الزّعيم الكركوز اقترح على أوليء نعمته في الجزائر
أن يُعزل عبد القادر من الجزائر ويُعيّن في إسبانيا، وتعويضه بالبشير مصطفي السّيد، في الوقت الذي يسعى إلى “إسكات” أهالي “رقيبات الشرق”
من خلال تعيين مصطفى سيدي البشير كوزير لـ”الدفاع” وأيضا حتى يحافظ على “المحاصصة القبَلية”.
ومعلوم في هذا السّياق أنّ المرشّح الأبرز لـ”الوزارة الأولى” يبقى عمر منصور، الذي فرض نفسه في الفترة الأخيرة،
بفضل تقرّبه من كابرانات الجزائر وعمله على تنزيل “أجنداتهم” المباشرة في المخيّمات وفي موريتانيا.
وبسبب “ضبابية” المشهد في الرّابوني، وتفجّر صراعات حامية بين قياداته، يمكن استنتاجات عدّة خلاصات،
إذ تروج أنباء عن كون جميع قيادات “رْقيبات الشّرق”، إلى جانب معظم أعيان “تكنة”، يُخطّطون لـ”الانقلاب” على الرّخيص “بن بطّوش” خلال “المؤتمر” المنتظر،
ما يُفسّر تشديد مستوى الحراسة والأمن في محيط إقامته وكذا في “مخيم الداخلة” الذي سيستقبل المؤتمر/ المسرحية المنتظرة.
ويلوح تكرار سيناريو 1988 في الأفق بحسب متتبّع الشّأن الداخلي في المخيمات، في حالة استمرار الأوضاع على تأزّمها الحالي.
وكان عبد العزيز “المراكشي” قد اعتقل في التاريخ المذكور ثلثي “قيادات” الانفصاليين وزجّ بهم في السّجون لأنهم عارضوا “المحاصصة” القبّلية
التي اعتمدها كأسلوب لتقسيم النفوذ ورغم اختلاف شخصية “الزّعيم” الحالي عن سابقه فإن الإنزال الجزائري الملحوظ في المخيمات
وتوفيرَها أعدادا كبيرة من قواتهم الأمنية لضمان الحماية لـ”غالي” في سعيه إلى فرض سيطرته على “البوليساريو” يبعث رسائل واضحة لمناوئي “الزّعيم”،
لا سيما بعد اجتماع “أمانة البوليساريو” الذي دام خمسة أيام كاملة دون تحقيق أدنى إجماع على بعد أيام من “المؤتمر” المنتظر.
ويجد حشد هذه الأعداد الهائلة من العسكر والإنفاق “الفلكي” تفسيره في “رعب” الجبهة الانفصالية ومعها أفراد المخابرات الجزائرية في المخيمات
من اندلاع أيّ “حراك” مضادّ قد يعصف في لحظة بكل ما خُطّط له و”يفرش” حقيقة “الإجماع” المزعوم حول شخص الرّخيص إبراهيم غالي.
وصار معظم الصّحراويين متأكّدين من أن هذا “الإجماع” ليس إلا وهماً كبيراً تمّ خداعهم به في 2016. فقد تكشّفت في الأعوام الأخيرة “كواليس” حوله حقيقته،
إذ ما هو إلا مغتصب ومجرم ورّط محتجَظي المُخيمات في عدد من الحماقات التي ما زالوا يدفعون ثمنها حتى الآن.
وقد صار فشلُ “الرّخيص” باديا للعيان على كلّ المستويات والأصعدة، مُزيلا ورقة التّوت عن عورة “البوليساريو” ومُظهراً إياها على حقيقتها،
ليُدخلها بذلك في دوّامة لانهائية يعدّ فيها المُغرَّر بهم من سكان المخيّمات الخاسر الأكبر.