بقلم: جعفر الحر
من الجهل المطبق أن يظن المرء أن ما تنشره الصحافة هو الحقيقة المطلقة، خاصة إذا كان مقال رأي وليس خبرا، فهو يعبر عن رأي كاتبه لا أقل ولا أكثر، وفي أحايين كثيرة يكون مدفوع الأجر أو ينتصر لجهة على أخرى دون مراعاة للمبادئ المنظمة لمهنة الصحافة مثل الموضوعية والحيادية واعتماد الرأي والرأي الآخر، وهي المبادئ ذاتها التي افتقدها مقال نشرته جريدة “الواشنطن بوست” حول ملف سليمان الريسوني وعمر الراضي، المعتقلين على خلفية تهم تتعلق بالاغتصاب.
فقد خرقت الجريدة الأمريكية مبدأ الرأي والرأي الآخر بتجاهلها لحقوق الضحايا الذين لم تستشرهم قبل نشر مقالها التهجمي ولم تتواصل معهم لسماع روايتهم و لم تشر لهم حتى، وليست هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها الجريدة في هذا التجني عنوة على المغرب، فمقالات الرأي التي نشرتها حول المملكة والموقعة في أغلبها باسم سامية الرزوقي المعروف عنها انتماءها لفريق راكبي الأمواج وعلاقتها الحميمة بعمر الراضي، كانت تفتقد للموضوعية لأنها ببساطة تنتصر للأصدقاء وتحاول ابتزاز المغرب من منطلق أن الجريدة “أمريكية”.
كما لا ينسى أحد فضيحة المقال الذي نشرته الجريدة و الموقع باسم عفاف برناني التي كانت مكلفة باستقبال المكالمات (standariste) في جريدة “أخبار اليوم” والهاربة من العدالة، فهذه الأخيرة ليس بمقدورها حتى كتابة مقال باللغة العربية بالنظر لمستواها الأكاديمي المتواضع، فبالأحرى بلغة شكسبير، وهو ما شكل فضيحة مدوية ساعتها وطعن في مصداقية الجريدة الأمريكية، حيث اتضح أن النشر على أعمدتها أو على موقعها يخضع لمنطق المال و علاقات الصداقة والمحاباة والمصالح المتبادلة، بعيدا عن مبادئ الميثاق الأخلاقي للصحافة.
الخطير في المقال أن كاتبته اعتمدت حبكة صحفية شيطانية تنم عن نيتها المبيتة في الطعن من الخلف، فقد بدأت مقالها بالحديث عن اعتراف الرئيس الأمريكي السابق بمغربية الصحراء واعتماد الدولة الأمريكية لخريطة المغرب كاملة، محاولة التشكيك في صوابيته من خلال اعتباره أحد مشاكل السياسة الخارجية التي ورثتها إدارة بايدن ووضعت واشنطن على خلاف مع حلفائها، بل اعتبرته مكافأة غير عادلة وغير ضرورية للمغرب، لتنتقل بعدها لربط هذا الملف بقضية الريسوني والراضي في محاولة حقيرة للابتزاز والمساومة، وهو ما يتضح جليا في تدييل المقال الذي جاء عبارة عن نداء أرعن “يجب أن يطلق سراحهم قبل أن يحصل النظام على أي مزايا سياسية أخرى من الولايات المتحدة”.
كلام كاتبة المقال والجريدة نفسها لا يساوي حتى الحبر الذي كتب به، لأنه وكما قال الشاعر (السيف أصدق إنباءًّ من الكتب)، فلها أن أن تعبر عن مكبوتات صدرها كما تشاء، لكن الواقع يبقى سيد الموقف، فالمغرب في صحراءه يبني ويعمر، والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية مستمر حتى وإن لم تعلنه إدارة بايدن صراحة، لأن الاجراءات المتفق عليها ماضية على الأرض، وكل من سليمان الريسوني وعمر الراضي مازالا في السجن إلى أن يقرر القضاء في تهمتيهما باعتباره المؤسسة الوحيدة المخولة بذلك.