أنا الخبر ـ متابعة
أنهى الجيش الموريتاني، أول أمس السبت، أكبر مناورة عسكرية له، أجراها ما بين 15 و19 من الشهر الجاري، في ولاية تيرس آزمور التي توجد أقصى شمال البلاد على الحدود مع المغرب.
المناورات العسكرية التي أطلق عليها “زمور-2″، شاركت فيها مختلف أنواع المدفعية الحديثة إلى جانب سلاح المدرعات والطائرات المقاتلة التي يتوفر عليها الجيش الموريتاني، مع تنفيذ عملية إنزال مظلي.
وأشرف على هذه المناورات العسكرية الأضخم في تاريخ موريتاينا على حدودها مع المغرب، كل من وزير الدفاع، حننه ولد سيدي، وقائد الأركان العامة للجيوش الفريق محمد بمب مكت.
المُعلن لإجراء هذه المناورات العسكرية، هو ضبط تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية للجيش الموريتاني، ومواءمة وسائله البشرية والمادية، بما يمكنها من مواكبة التطورات المتسارعة التي تشهدها أنماط القتال ووسائل الحرب، وضبط عصابات التهريب والجريمة المنظمة على حدود البلاد.
غير أن إجراء هذه المناورات العسكرية، الأضخم لموريتانيا، شمال البلاد، يأتي بعد اتفاق مغربي موريتاني لإعادة ضبط الحدود بين البلدين، التي كانت خارج أي مراقبة قبل 13 نونبر 2020، تاريخ تدخل الجيش المغربي لفتح معبر الكركرات والسيطرة الكاملة على المنافذ الحدودية مع موريتانيا، وطرد عناصر جبهة البوليساريو التي كانت تعرقل حركة السير في المعبر الحدودي الحيوي للمغرب وموريتانيا اقتصاديا.
اتفاق التحكم في الحدود الموريتانية مع المغرب وضبطها أمنيا، جاء، حسب معطيات حصل عليها موقع “الصحيفة” خلال الاجتماع الذي عُقد بمقر قيادة الأركان العامة للجيوش في العاصمة نواكشوط، شهر دجنبر من السنة الماضية، وجمع قيادات عسكرية رفيعة المستوى بين الجيش المغربي ونظيره الموريتاني.
وترأس قائد الأركان العامة للجيوش بموريتانيا، الفريق محمد بمبه مكت، إلى جانب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية الفريق أول عبد الفتاح الوراق، اجتماعا للجنة العسكرية المشتركة الموريتانية المغربية، وحضره، أيضا، مدير العتاد بقيادة الأركان العامة للجيوش بموريتانيا، اللواء محمد فال ولد تقي الله، وقائد أركان البحرية الوطنية اللواء البحري محمد شيخنا الطالب مصطف، وقائدا المكتبين الثاني والثالث بقيادة الأركان العامة للجيوش على التوالي اللواء حمادي ولد أعل مولود.
كما حضر لهذا الاجتماع العسكري الرفيع المستوى، اللواء البحري أحمد بن عوف، بالاضافة إلى عدد من الضباط السامون بقيادة الأركان العامة للجيوش، ووفد القوات المسلحة الملكية المغربية المرافق للمفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية.
هذا الاجتماع الذي جاء بعد أسابيع من تدخل الجيش المغربي لفتح معبر الكركرات وإلغاء المنطقة العازلة التي كانت ضمن اتفاق وقف اطلاق النار بين المملكة المغربية وجبهة البولييساريو برعاية أممية سنة 1991، حَدَّد من خلاله الطرفان الخطوط الواجب ضبطها على طول الحدود البرية بين البلدين، بعد أن استغلت عناصر جبهة البوليساريو الانفصالية العديد من الثغرات الحدودية على الجانب الموريتاني لتتسلل إلى المعبر الحدودي للكركرات الذي يعتبر حيويا من الناحية الاقتصادية، والمنفذ الوحيد لإفريقيا بالنسبة إلى المغرب، وهو ما ناقشه هذا الاجتماع العسكري الرفيع المستوى لوضع حد لجميع الثغرات الحدودية بين البلدين.
لهذا تجاوبت موريتانيا مع المغرب لضبط الحدود
منذ سنة 1991 تاريخ توقيع المملكة المغربية وجبهة البوليساريو الانفصالية برعاية أممية على اتفاق وقف اطلاق النار بينهما، كانت موريتانيا تمارس الحياد السلبي في ملف الصحراء، بعد اعترافها بجبهة البوليساريو، الذي فُرض عليها سنة 1984، أي خمس سنوات بعد توقيعها لاتفاق مع الجبهة الانفصالية لإنهاء حالة القتال بينهما.
غير أن الأمور تغيّرت، وواقع موريتانيا وجيشها أيضا تغيّر، ولم تعد تلك الدولة الضعيفة التي ستخشى هجمات البوليساريو المدعومة جزائريا كما كان الحال عليه في سبعينيات القرن الماضي، حينما شنّ عناصر الجبهة الانفصالية هجمة شرسة على حامية “تشلة” في يوليوز سنة 1979 بموريتانيا وقتلوا العديد من الجنود للضغط على القيادة الموريتانية لتوقيع اتفاق اطلاق النار بينهما.
كل هذه المعطيات والتغييرات الجيواستراتيجية في المنطقة المغاربية، جعلت من موريتانيا تخرج من “حيادها السلبي” وتتحدث عن الحياد الإيجابي، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حينما أكد “أن حياد موريتانيا سيكون إيجابياً ونشطاً وليس سلبياً”، وذلك عند اتصاله بالأمين للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فى موضوع يتعلق بقضية الصحراء، بعد إغلاق معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا من طرف عناصر البوليساريو وإعادة فتحه من طرف الجيش المغربي، وهو الاتصال الأول من نوعه منذ يوليو عام 1978 حينما انسحبت موريتانيا من واد الذهب واختارت موقع “الحياد السلبي” في قضية الصحراء.
كيف غدرت البوليساريو باتفاق مع موريتانيا يَخص “الكركرات”
في تقرير مطول، كشفت صحيفة “الخبر الأسبوعية” الموريتاينة عن الكثير من التفاصيل الذي تلت تدخل الجيش المغربي لفتح معبر الكركرات وطرد عناصر جبهة البوليساريو مع وضع جدار أمني على طول الحدود بعد إلغاء المنطقة العازلة بين المعبر وموريتانيا بشكل نهائي، حيث أشارت الصحيفة إلى رفض السلطات في نواكشوط استقبال قيادات من جبهة البوليساريو الذين طالبوا لقاءا عاجلا مع السلطات الموريتانية.
صحيفة “الخبر الأسبوعية” تسرد تفاصيل هذا الرفض، حيث أكدت في تقريرها بأنه بتاريخ 21 أكتوبر 2020 تلقت حكومة موريتانيا مثل بقية حكومات المنطقة خبر إغلاق الطريق التجاري الرابط بين المعبرين الموريتاني والمغربي، من طرف جبهة البوليساريو، وهو ما انعكس بشكل كبير على امدادات البلاد من الخضروات والفواكه التي شهدت ارتفاعا قياسيا وغير مسبوق في الأسعار بمختلف الأسواق الموريتانية.
وبعد ثلاثة أسابيع متواصلة من إغلاق معبر “الكركرات” الحدودي، شهدت أسواق موريتاينا شحا كبيرا في المواد الغذائية، وارتفعت الأسعار وتتضرر التجار، وبدأت تلوح أزمة اقتصادية في البلاد، قبل أن يتدخل الجيش المغربي بتاريخ 13 نفمبر 2020، حيث أطلق عملية عسكرية وسط المنطقة العازلة للكركرات، وطرد المجموعات التى قامت بإغلاق المعبر الذى أعيد فتحه فور انتهاء العملية العسكرية التي وصفتها الصحيفة بـ”الاحترافية والخاطفة”.
وبتاريخ 14 نونبر 2020، أي بعد يوم واحد من التدخل العسكري المغربي لفتح المعبر الحدودي، وطرد عناصر جبهة البوليساريو الانفصالية، استقبلت جهة عليا في موريتانيا اتصالاً هاتفيا من تيندوف الجزائرية، يبلغها رغبة استعجالية لدى قيادة جبهة البوليساريو فى إرسال وفد رفيع المستوى إلى انواكشوط للتباحث.
وتضيف صحيفة “الخبر الأسبوعية”، أنه وبعد ساعة أُُبلِغَ المُتَّصِل، أن طلبه تحت الدراسة وسيصله الجواب قريباً.
وفي 17 نونبر 2020 اتصلت الحكومة الموريتانية بجبهة البوليساريو تُبلغها أن الوقت الحالي غير مناسب للزيارة، لكنها تفاجأت لما علمت من كلام المتحدث، أن وفدا يضم قياديين بارزين فى البوليساريو أصبح قرب حدودها البرية وخلال أقل من ساعة سيدخل ولاية تيرس آزمور.
وتضيف الصحيفة الموريتانية حسب ما نقله موقع “الأنباء” أن الوفد ضَمَّ ما يسمى بوزير البوليساريو للخارجية محمد سالم ولد السالك، وإبراهيم محمد محمود الوزير الأمين العام لرئاسة البوليساريو، وهما عضوان في المكتب التنفيذي للجبهة، حيث قطع الوفد أكثر من 2000 ميل عبر صحارى وعرة ليصل فى اليوم الثالث إلى انواكشوط، على عجل بعد التغييرات التي حصلت على معبر الكركرات.
وفد البوليساريو – حسب نفس المصدر – مكث أسبوعا كاملا فى فندق “موري سانتر” وسط العاصمة دون أن تُسَجّل أي زيارة مسؤول موريتاني كبير لذلك الفندق طيلة فترة إقامة الوفد المذكور.
أسباب غضب موريتانيا من جبهة البوليساريو وإعادة تشكيل علاقتها مع الجبهة
تشير العديد من المصادر أن رفض القيادة الموريتانية استقبال وفد جبهة البوليساريو يعود إلى الغضب الكبير الذي انتاب الموريتانيين بعد أن عمدت الجبهة الانفصالية إلى إغلاق معبر الكركرات الحيوي اقتصاديا بالنسبة لموريتانيا، والذي يزود البلد بأهم احتياجاتها من الخضر والفواكه، والمواد الغذائية من جارتها الشمالية، المملكة المغربية.
أسباب الغضب الموريتاني حسب المعطيات، هو وجود اتفاق سابق، بين نواكشوط والبوليساريو وُقّع على عهد الرئيس الموريتاني السابق، معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، سنة 2003، يُلزم الجبهة بعدم التعرض لمعبر الكركرات بما قد يضر بموريتانيا، وأن أي إجراء يخص المعبر تنوي الجبهة الانفصالية القيام به، عليها أن تخطر به الحكومة الموريتانية قبل الشروع فيه نظرا لحيوية المعبر الاقتصادية بالنسبة للبلد، وهو ما لم تقم به الجبهة ونكثت باتفاقها مع نواكشوط، فردت الأخيرة برفض استقبال وفد الجبهة الذي عاد خائبا إلى تيندوف بدون أي لقاء.
واعتبرت نواكشوط أن خرق جبهة البوليساريو للاتفاق الذي تعهدت باحترامه قبل ما يقارب من عشرين سنة من تاريخ إغلاقه من طرف عناصرها، عاملا مهما لإعادة تشكيل سياساتها الخارجية وإعادة ترتيب حدودها، وتنظيم علاقتها مع محيطها، بعد كل الغييرات التي حصلت على الأرض خلال العشرين سنة الماضية، تاريخ اتفاق الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع مع الجبهة على الخطوط الحُمر للمعبر.
مع كل هذه الأحداث، اتفقت موريتانيا والمغرب خلال الاجتماع العسكري الرفيع الذي جرى بنواكشوط بتاريخ 21 دجنبر 2020، على التحكم في حدود البلدين أمنيا، وضبط المنطقة عسكريا، وجعل حدود موريتانيا مع المغرب “آمنة” وفق خطة إعادة انتشار للجيش الموريتاني على كامل حدوده الشمالية لسد كل المنافذ الحدودية التي تستغل من طرف جبهة البوليسايو للتسلل إلى المنطقة العازلة.
وعليه، وبناء على اتفاق واضح، عمل الجيش الموريتاني على إجراء مناورات “زمور-2″ ما بين 15 و19 من الشهر الجاري، قبل أن ينشر عناصره بشكل دائم على الحدود المغربية، حيث القوات المسلحة الملكية مدّت الجدار الأمني على مسافة كيلومترات حيث تعمل على “إلغاء” المنطقة العازلة تدريجيا قبل جعلها على مسافة الصفر بين حدود المملكة المغربية وخطوط التماس مع موريتانيا والجزائر. (المصدر: الصحيفة)