أنا الخبر ـ الأسبوع الصحافي
انتهت عمليا كل إمكانيات التشويش الجزائري على مشروع أنبوب الغاز النيجري – المغربي، بعد معركة دبلوماسية قوية قادها المغرب، ولعب فيها التقارب بين قائدي البلدين دورا كبيرا، لذلك كان من الطبيعي أن يكون موضوع هذا المشروع الكبير محور اتصال هاتفي بين الملك محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بوخاري، اللذين أكدا من خلال اتصالهما في الفترة الأخيرة، مضي المشروع نحو التحقق على أرض الواقع.
وكانت وسائل إعلام مغربية قد أكدت مؤخرا عودة الحياة إلى هذا المشروع، من خلال الحديث عن دراسات جديدة، تتعلق بإمكانية نقل هذا المشروع عبر البحر بدل البر، لدواعي أمنية، علما أن هذا المشروع مرتبط بمعركة دبلوماسية قوية بين المغرب وبعض الدول الأوروبية، بما فيها دول عظمى، لأن من شأن هذا المشروع الذي سيمكن المغرب من تصدير الغاز نحو أوروبا، التأثير على خط أنابيب الغاز القادمة من روسيا نحو أوروبا.
العملية كلها تتعلق بحسابات استراتيجية كبيرة، ويمكن للمغرب أن يربط نجاح مشاريعه في إفريقيا وفي علاقته بأوروبا، بحسابات جديدة تأخذ بعين الاعتبار عزلة بعض التقاربات الحالية، مثل تقارب ألمانيا والجزائر وتركيا، حيث يمكن للمغرب تكريس تقارب التقارب وإنعاش العلاقات المغربية المصرية، لا سيما وأن هذه الأخيرة اتفقت مع إسرائيل على مد خط أنابيب لربط حقل غاز إسرائيلي كبير بمحطات الإسالة في مصر لزيادة تصدير الغاز إلى أوروبا، ومن هنا يمكن التفكير في جر أنبوب الغاز المصري نحو المغرب ومن تم إلى أوروبا، وهو ما يمكن أن يكرس عزلة تركيا، لكون حساباتها لا تلتقي بأي حال من الأحوال مع حسابات مصر والمغرب..
في هذا السياق، يقول المصطفى كرين، رئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية، في ورقة استراتيجية: ((في سياق توالي الاكتشافات النفطية والغازية في حوض البحر الأبيض المتوسط، وخصوصا في الجزء الجنوبي الشرقي منه، التأم منذ سنوات قليلة (يناير 2019) ما صار يعرف لاحقا، أي منذ شتنبر 2020، بـ”منتدى غاز شرق المتوسط”، وهو تكتل طاقي ومنظمة اقتصادية جمعت في البداية بين كل من اليونان وقبرص وإسرائيل، ثم التحقت بها كل من مصر فالأردن وإيطاليا، ويوجد مقرها حاليا في القاهرة (لأسباب سياسية وجيواستراتيجية ولوجستية)، قبل أن يشهد المنتدى التحاق الإمارات العربية المتحدة كـ”عضو ملاحظ” في دجنبر 2020، والواقع أن دور الإمارات يتجاوز “الملاحظة” بكثير)).. نفس المصدر يتساءل، قد يقول البعض: وما علاقة الإمارات بشرق المتوسط؟ ويجيب بأن ((الأمر منذ البداية يتعلق بعملية إعادة ترتيب رقعة مينا كاملة، أما شرق المتوسط، فليس إلا ساحة المعركة القادمة بين جبابرة العصر، وستمتد هذه المعركة لاحقا وبالضرورة إلى غرب المتوسط، وعمليا، فإن الإمارات والسعودية متواجدتين بقوة في شرق المتوسط، وليبيا تحديدا، منذ موت القذافي إن لم يكن قبل ذلك.
وبالإضافة إلى الإمارات والسعودية، وبالضبط في بحر سنة 2020، تم الكشف عن إجراءات التحاق كل من فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رسميا، بدعوى تمويل المجهودات المتعلقة بالتنقيب عن الطاقة وتصديرها، ولكن الحقيقة أننا بصدد تعزيز تكتل مبرمج سلفا في سياق الحرب بين العمالقة (الولايات المتحدة من جهة والصين-روسيا من جهة أخرى)، تكتل بدأ بالطاقة وسينتهي بالقواعد العسكرية المتقدمة.. نعم القواعد العسكرية، والدليل هنا، ما قامت به فرنسا بذريعة تعزيز قدرات الأطراف المنتمية لهذا المجال الجغرافي، حيث قامت ببيع اليونان ثمانية عشر طائرة “رافال” في ظرف قياسي، حيث لم تأخذ المفاوضات حول الصفقة سوى بضعة أسابيع، ومن الواضح أن إبرام هذه الصفقة لم يتم لسواد عيون اليونان، ولكن لشرعنة مشاركة باريس الفعلية في هذا المنتدى، ولتعزيز قدرات الحلف القادم في منطقة مينا والذي يعتبر نواة تحول جيوستراتيجي كبير في المنطقة… ولأن انضمام فرنسا لهذا المحور سيجعل منها طرفا في قوة طاقية كبيرة مطلة على البحر الأبيض المتوسط، ويمكنها بالتالي من استعادة ريادتها الأوروبية على حساب ألمانيا، فقد قامت هذه الأخيرة بما يجب عليها من مناورات للحصول على موطئ قدم في المنطقة، وقد كان لها ذلك أو كاد أن يكون، عبر القفز على الملف الليبي، الذي اقتحمته دون تردد، وبحكم حاجتها لشريك في المنطقة، فقد قررت أن تتوجه منطقيا نحو تركيا (العدو اللدود لكل من اليونان وقبرص ومصر وفرنسا، وحتى إسرائيل إلى حد ما)، وهو ما يفسر بيع ألمانيا لتركيا ست غواصات من طراز “214T” بمبلغ مليارين ونصف المليار، زيادة على موقف ألمانيا الداعم لتركيا في الاتحاد الأوروبي والذي يعرقل فرض عقوبات على أنقرة بسبب مناوشاتها شرق المتوسط تحديدا، كما أن روسيا التي باعت أنقرة النظام الصاروخي “S 400” ليست بعيدة عن هذا الحلف، مما يفسر تغاضي روسيا عن الدعم الذي قدمته تركيا لأذربيجان في حربها مع أرمينيا، هاته الحرب التي كان الغرض منها ضمان موطئ قدم ثابت لأنقرة من أجل حماية أنبوبي الغاز: “TANAP” القادم من أذربيجان و”Turkstream” القادم من روسيا، واللذان تهدف من خلالهما تركيا لأن تصبح مركزا إقليميا لتوزيع الغاز بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، في مقابل محور اليونان- مصر-إسرائيل)) حسب ما يؤكده كرين