مسرحية فرنسية مضحكة.. الدّعوة إلى مؤتمر دولي لـ”ايجاد حلّ قضية الصحراء“، في التفاصيل،
تتحرّك “جهات ما” داخل الحكومة الفرنسية، وفق ما يُفهَم من عدّة مؤشّرات، نحو جرّ العلاقات الفرنسية -المغربية نحو مستنقع أعمق من التوتر.
ودليل ذلك، وفق قراءة خبراء ومُهتمّين بالشّأن السياسي في البلدين، خصوصا في ما يتعلق بعلاقاتهما الثنائية،
الدّعوة إلى عقد مؤتمر دولي في باريس لـ”ايجاد حلّ” لما سمّته “قضية الصّحراء”،
متناسية أنّ الأمر يتعلق بالصّحراء المغربية، والتي ستظلّ دوماً مغربية.
ويتضح جلياً أنّ هناك “لوبياً” يصطاد في المياه العكِرة من داخل حكومة ماكرون،
وإلا ما معنى هذا “التغيّر” في السياسة الفرنسية بعدما كانت فرنسا داعمة باستمرار للمغرب في قضيته الوطنية الأولى؟
وصار مفروغاً منه أن “جهات ما” تتحرّك في كواليس الحكومة الفرنسية الحالية ساعيةً، بحسب بلاغ لحزب التقدّم والاشتراكية، صدر أمس الأربعاء،
إلى “خلط الأوراق”، بمحاولة إعادة ملفّ هذا “النزاع”، الذي يعرف الجميع من افتعله ولماذا، إلى “نقطة الصفر”.
ودعت هذه “الجهات”، وفق ما أوردت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في أحد أعدادها الأسبوع المنصرم،
لى عقد “مؤتمر دولي حول الصحراء” (المغربية) في باريس، ظهر في واجهتها “أكاديميون” و”صحافيون”.
وفي تفسيره لما يجري، قال الدكتور سمير بنيس، المستشار السّياسي والدبلوماسي المغربي المقيم في واشنطن،
أنه رغم أنّ هذه المبادرة يُفترض أنها تستحقّ “الثناء” لأن موقعيها أكاديميون بـ”نوايا حسنة”، فإن هناك “إنّ” كبيرة بشأن بعض هؤلاء.
ووضّح بنيس، الخبير السّياسي ومدير موقع “موروكن وولد نيوز”، أن وجود مجرّد ورود أسماء لبعض الأكاديميين والصّحافيين،
الذين لا يخفى على أحد “عداؤهم الصّارخ” للمغرب ولنظامه الملكيّ يعني أنّ في الأمر “شيئا على غير ما يرام”
ويدفع إلى طرح علامات استفهام كبيرة وكثيرة بشأن “جدّية” هذه الدّعوة و”مصداقيتها”.
ووضّح المتحدّث ذاته، في تصريح صحافي، أن الأمر الآخر الذي يضع هذه المبادرة موقع شكّ وتساؤل هو ربط النّزاع المفتعل، بالقدر نفسه بكل من المغرب والجزائر..
والحقيقة التي يعرفها كلّ “المطّلعين” على قضية الصحراء المغربية، وفق هذا الخبير السّياسي،
هي أن دولة الكابرانات من التي تقف وراء إعادة النقاش حول هذا “النزاع” المفتعل إلى نقطة البداية،
حتى في الوقت الذي كانت المملكة ترسل الإشارة تلو الإشارة على “حسن النية” تجاه النظام العسكري الجزائري،
في ترجمة لحرص المملكة الدائم ورغبتها الأكيدة والدائمة في خلق “مغرب كبير” موحّد ومزهر.
ويعرف الجميع أيضا، يتابع المتحدث ذاته، أيضا أن المغرب كان في البداية الأولى للمشكل “ضحية للتقسيم الإجرامي لأراضيه من قبل فرنسا”،
وبعد ذلك لـ”مكائد النظام الجزائري”، التي تغذيها “طمعه” في فرض هيمنته في المنطقة.
وكذّب بنيس من يتبنّون فرضية كون المغرب سعى دوما إلى تحقيق “نصر مطلق” على النظام العسكري الجزائري،
قائلا إن ذلك “كذبة تاريخية تُشوّه رسالة السّلام المفترضة التي نقلها من تبنّوا هذه البادرة”.
وقد كان بوسع حكومة ماكرون، يتابع الدبلوماسي المغربي، إن هي أرادت فعلا “مساعدة” دول المغرب الكبير في خلق تكتّل إقليمي قوي، كما تزعم،
أن تفعل ذلك في مناسبتين: أولاها بعد “حرب الرّمال” (1963) والثانية في 1975.
مسرحية فرنسا..
ووضّح المتحدّث نفسه أنه في الحالتين لم يعقد مثل هذا “المؤتمر الدولي” في باريس لـ”إيجاد حلّ” لهذا الخلاف المفتعل،
بل لتفادي نشوب “الحرب” بين البلدين الجارين، سواء في الشق المرتبط بالصّحراء المغربية أو بالشّق المرتبط بترسيم الحدود بين القوتين المغاربيتين.
كان على حكومة ماكرون “ببساطة”، وفق الدكتور بنيس دائماً، أن تقرّ بأنها “المسؤولة الأولى” عن هذا النزاع المفتعل،
من خلال رفع يدها عن الوثائق التي تثبت “سيادة المغرب على صحرائه،
بل على تندوف نفسها وعلى بشّار وتوات” وغيرها من المناطق التي اقتطعتها من المملكة المغربية وأضافتها إلى “فرنسا الثانية”، أي الجزائر،
التي كانت تعتبرها مجرّد “مقاطعة فرنسية”! بهذه الطريقة “البسيطة” كان بمقدور فرنسا أن تساعد، فعلاً وليس ادّعاءً،
في الحيلولة أصلا دون إدراج هذا النزاع المفتعل ضمن أجندة الأمم المتحدة، وبالتالي تفادي هذا الجمود السّياسي والدبلوماسي الذي عمّر منذ عقود.
بهذه الطريقة كان يمكن لفرنسا أن تثبت لكلّ بلدان المنطقة، وأساساً للمغاربة،
أنها ترغب فعلا في “تصحيح الأخطاء” التي تسبّبت فيها لهم ولبلدهم خلال استعمارها لدول المنطقة.
وشدّد الخبير السّياسي المغربي على أن فرنسا، بدل ذلك،
تركت الصّراع الإقليمي يزداد تفاقما وجعلت العداء بين البلدين الرّئيسيين المعنيين بهذا النزاع المُفتعل يتخذ منحيات أخرى”،
مسجّلا أن نهجها “الماكر” هذا لم يخدم سوى مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
وختم بنيس تصريحه بالتشديد على أنّه لو كان الموقعون على المبادرة الفرنسية الأخيرة يرغبون فعلا في الإسهام في “إيجاد حلّ” لـ”قضية” الصحراء المغربية،
لكانوا -ببساطة- حثوا فرنسا على الاعتراف بالحقيقة في ما يتعلق بانتهاكاتها الصّارخة للقانون الدولي وهي توقع اتفاقيات 1904 مع بريطانيا العظمى وإسبانيا.
كما كان عليهم مطالبة بلدان الاتحاد الأوروبي بوقف كل مساعداتهم الإنسانية لمخيمات تندوف،
إلى أن تخرج نتيجة تقرير لجنة مكافحة الاحتيال التابعة للاتحاد إلى حيّز الوجود.