توفيت، مؤخّراً في “القوة الضّاربة” دكتورة سابقة تخرّجت من جامعة السّوربون ودرّست فيها بعد ذلك،
قبل أن تعيش فاجعة إنسانية قلبت حياتها رأسا على عقب، لتنتهي مشرّدة ووحيدة، قبل أن تنتهيَ جثة هامدة في الشّارع البرد، وقد نهشها البرد والمرض و.. الجحود!
هكذا، إذن، وفي الوقت الذي يواصل جنرالات الجارة الشّرقية توجيه البوصلة نحو “عدو خارجيّ” وهميّ أو مُتوهَّم يتمثل في “البْلاد اللي هوكّ” أو “المرّوكْ” لتحويل أنظار الشّعب عن مشاكلهه الحقيقية،
التي تعتمل في “الدّاخل”، تأبى الأقدار إلا فضحهم وإظهار حقيقة حكمهم العسكريّ،
الذي يواصل “طحن” المواطنين الجزائريين وتعريضهم لأبشع أنواع التجويع والتهميش و… الق.تل!
آخر مظاهر العسف العسكريّ لحُكم “الكراغْلة” في حق أبناء جلدتهم من الجزائريين،
ما وقع لسيّدة ظنّ الجميع في البداية أنها مجرّد واحدة من هؤلاء المُشرّدات اللواتي تتقاذفهنّ أرصفة مدن “القوة الضّاربة”،
التي تكفي مواردها الطاقية لأن تكون قوة ضاربة حقيقية، لولا أن استبدّت بزمام أمورها هذه الطغمة العسكرية الفاسدة، ا
لتي استنزفت مواردها وبذّرتها وتُبذّرها في كلّ الاتجاهات، إلا في الاتجاه الصّحيح!
فقد انتشرت، مؤخرا، صور سيدة مشردّة ماتت بسبب البرد وهي تفترش رصيف البرد والوحدة والنكران.
ولكثرة ما تداول نشطاء مواقع التواصل صور هذه النهاية المأساوية لسيدة في أرذل العمر،
اتضح في الأخير أن الأمر لا يتعلق بمُشرّدة عادية، بل بسيدة عالمة خرّيجة أعرق الجامعات الفرنسية.
وبالفعل، وبعدما تحققت الشّرطة من هويتها، اتّضح أنها ليست سوى الدّكتورة البيولوجية فلة بورسالي، التي تخرّجت من جامعة “السوربون” في فرنسا،
والتي أمضت بعد ذلك سنوات كأستاذة جامعية تتلمذ على يديها آلاف الطلبة في الجامعة ذاتها..
لكنّ السيدة فلة عادت، قبل عقدين تقريباً، إلى الجزائر، قبل عشرين سنة بنية إفادة وطنها بعلمها وخبرتها في الطب والبيولوجيا، وليتها ما كانت عادت!..
فبعد فترة من عودتها فقدت ابنها في ظروف ما، لتصاب السّيدة فلة بمرض نفسي كان بداية فصول مأساتها التي انتهت بها متجمّدة من البرد،
بعدما أنكرتها سلطات بلاد “القوة الضّاربة” و”قتلتْها” نفسياً، قبل أن تتخلّص منها بهذه الطريقة الوحشية المُشينة.
فبعد بداية محنتها النفسية إثر تأزّم نفسيتها لفقدانها ابنها، تنكّرت لها بلادها ولم ترعَها ولا اهتمّت لأمرها،
ولا جامعة عنّابة أو وهران اكترثا لمصير قامة علمية كان بالإمكان تطبيبها والعناية بها ردّاً لبعض جميلها على البلد وعلى أبناء البلد، لكنْ لا حياة لمن تنادي!
ولم يتوقف الأمر عند تنكّر سلطات “بلاد الكابرانات” لهذه السيدة الاستثنائية، بل فصلت تماماً من سلك التدريس ورميت،
بلا رحمة ولا شفقة ولا ذرّة إنسانية، إلى برد الشّارع وقسوته ووحدته..
ثمّ كانت هذه النهاية المأساوية التي فجّرت غضب الجزائريين الذين ندّدوا بأن تنتهي شخصية مثل هذه جثة هامدة على رصيف المهانة والذل،
في جزائر “تبّون” والشّنقريحة ومن دار في فلكهما من “عصابة” الحكم الجائر الذي ترزح تحت نيره الجزائر “المسكينة”،
التي تصرَف مواردها الهائلة على المرتزقة والرّعاع واللقطاء بينما تموت نخبة البلاد على الأرصفة في بلاد… “القوة الضّاربة”!