بقلم: أبو علي
من يطالع أخبار الجارة الشرقية الجزائر في الآونة الأخيرة لن يكون بحاجة لمشاهدة سيتكومات الضحك أو أفلام الكوميديا للترفيه عن النفس، لأنه سيجد في الجزائر كل تجليات ومفرزات السخرية، بعدما اختارت أن تكون أكبر وصلة للاستهزاء في حوض البحر الأبيض المتوسط.
فالجزائر التي تنزف دما بفعل قوارب الهجرة السرية ويموت معظمها في بحر البليار وفي السواحل الشرقية الجنوبية لإسبانيا، ادعت بشكل ساخر أن غواصاتها الحربية رصدت غواصة إسرائيلية في عمق البحر وأجبرتها على الصعود إلى سطح الماء، وهي الإشاعة التي عقب عليها الجزائريون أنفسهم بكثير من السخرية بالقول “كيف ترصدون الغواصات الحربية في بطن البحر ولا تعاينون مئات قوارب الهجرة السرية التي تطفوا على سطح الماء كالطفيليات العائمة”.
فهذه الدعاية الجزائرية، الموروثة من عهد الاتحاد السوفياتي سابقا، لم ترصد مئات قوارب الهجرة السرية التي تنقل أكثر مما تنقله الخطوط الجوية الجزائرية من المهاجرين والمسافرين، لكنها استطاعت أن ترصد في المقابل غواصة عسكرية تعمل بمحركات نووية! ومن سخرية هذه الإشاعة أيضا أنه في الوقت الذي كانت فيه سواحل وهران تحتضن التمرين التكتيكي الثاني المسمى “الردع 2021″، وكان فيه الفريق شنقريحة مزهوا برفع سبابته في إماءة لإصابة الأهداف الاستراتيجية، كانت تمر بالقرب منه العشرات من الزوارق والقوارب التي كانت تهاجر سرا وتحمل معها مشاريع جثث الجزائريين نحو ملاذهم الأخير في عرض البحر.
أليست هذه وصلة ساخرة أبدعها نظام عسكري متقادم؟ يزعم رصد الغواصات النووية في عمق البحر، بيد أنه ليس قادرا على رصد قوارب وزوارق مترهلة تمر عبر ماسورة صواريخه وهي تعج بأطياف الموتى الجزائريين المسافرين نحو المجهول.
ومن مظاهر الضحك على النظام الجزائري كذلك هو أنه الوحيد الذي ابتهج بالحكم الابتدائي للمحكمة الأوروبية في قضية الاتفاقات المبرمة مع المغرب، عندما أوعز لشيخه في الدبلوماسية رمطان لعمامرة بنشر بيان يصدح بالغبطة والفرح، وكأنه حقق هدفا ذهبيا لصالحه!! ناسيا أو جاهلا بأن مثل هذه الأحكام السياسية لا تضر المغرب، الذي نوع شركاءه الاقتصاديين، بل هي تشكل سابقة سياسية خطيرة قد تسمح لشعب القبائل مستقبلا بالطعن في صفقات تصدير الغاز التي تمر من إقليمه الوطني في اتجاه أوروبا! وقتها سيضحك تبون ولعمامرة دما نازفا بعدما تكون الخزينة العمومية قد شرعت في “التصفار” كما يقول المغاربة.
والحكم السياسي للمحكمة الأوروبية الذي يبتهج له اليوم رمطان لعمامرة، قد يشكل سابقة قانونية وقضائية للطوارق الجزائريين للمطالبة مستقبلا بتوقيف صفقات استغلال واستخراج ما تبقى من البترول في مناطقهم الجنوبية. فحبذا أن لا يغتبط كثيرا القادة الجزائريون لأن هذا الحكم السياسي الابتدائي ليس نهائيا وقطعيا، وكثيرا ما تم نقض أحكام مماثلة في مرحلة الاستئناف، بينما ستبقى خاصرتهم مشدودة بكثير من السهام التي تنخر جبهتهم الداخلية المهترئة بسبب تراجع إنتاج البترول في حدود النصف (850 ألف برميل يوميا بعدما كانت مليون و900 ألف في سنة 2009)، وكذا ارتفاع الاستهلاك الداخلي على الطاقة في حدود 48 بالمائة من الإنتاج الوطني، فضلا عن تراجع الاحتياط الداخلي من العملة الأجنبية لدرجة صارت معها البطاطا “وجبة إلى من استطاع إليها سبيلا من الجزائريين”.
الضحك فيه وفيه وعلى النظام الجزائري أن لا يبالغ كثيرا في استعراض العضلات العسكرية في شواطئ وسواحل وهران، لأن الأولى « بالردع 2021 » هي قوارب الهجرة السرية التي نقلت في نهاية الأسبوع المنصرم فقط أكثر من 1700 مهاجر جزائري، نساءا ورضعا ورجالا، في موجة نزوح جماعية لا تستقيم ووضعية الجزائر “كقوة إقليمية ضاربة في خيال الرئيس عبد المجيد تبون وفي أوهام الفريق مضرم النيران سعيد شنقريحة”.