المصدر: الأيام 24
ينطلق الخبير العسكري عبد الرحمان المكاوي و هو يتحدث لـ “الأيام” من تأكيده أن الحرب بين المغرب و جبهة “البوليساريو” قد اندلعت بالفعل، بعد خرق الأخيرة لاتفاق وقف اطلاق النار الموقع في العام 1991، مؤكدا أن هناك خلافا في الجزائر بين كبار الجنرالات حول الهدف من العملية، بين من يريد تصدير الأزمة الداخلية الجزائرية نحو المغرب عبر الدخول في حرب مع المملكة سواء بشكل مباشر أو عن طريق حرب بالوكالة، ومن يريد أن التخلص بشكل نهائي من جبهة “البوليساريو” التي أصبحت اليوم عالة على الجزائر، ليخلص في ختام حواره إلى وجود رغبة لدى بعض الجنرالات إلى طرد البوليساريو من الأراضي الجزائرية إلى شمال موريتانيا، عبر منطقة الكركارات.
+ كيف تقرأ الوضع العسكري حاليا بالصحراء. هل يمكن أن نقول أننا نتجه لا محال إلى الحرب العسكرية و إنهاء وقف إطلاق النار ؟
الحرب بدأت، و لو أنها بدأت من جانب واحد، فزعيم الانفصاليين مزق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991، وكل الاتفاقات العسكرية ذات الصلة، و أعطى أوامره بشن هجوم على القوات المغربية في جميع الأماكن.
جبهة البوليساريو لم تبدأ مخططها لوقف إطلاق النار في الأسبوع الماضي فقط، بل بدأته منذ تجييشها لشباب المخيمات و تجييشها لعناصرها في الخارج، كما أن الاعلام الجزائري القريب من المؤسسة العسكرية ظل يرافق هذه العملية، و بالتالي فالمنطقة مقبلة على حرب. ليبقى الآن السؤال المطروح: هل هذه الحرب ستكون بالوكالة، هي في الظاهر ستكون بين المغرب و البوليساريو، لكن تكون الجزائر هي الفاعل الرئيسي وهي من تقف خلف البوليساريو ؟ أم أن الجزائر قد تجر إلى هذه المواجهة بشكل مباشر ؟
في كل الأحوال فهناك اليوم خلاف على مستوى قيادة الجيش الوطني في الجزائر، فهناك أجنجة عسكرية متضاربة ليس لها رأي واحد، حول توقيت هذا العمل المسلح مع المغرب، فالجزائر عودتنا أنه كلما واجهت منعرجات داخلية خطيرة تمس بكينونتها و بمصيرها، فهي ترحل مشاكلها نحو الخارج محاولة لترميم و ترصيص الجبهة الداخلية التي أصبحت تعي أن مشكل الصحراء مفتعل و أن الشعب الجزائري برمته يخالف الحكام، و أن نظرية المؤامرة التي تأتي من المغرب لم تعد لها آثار نفسية على الشعب الجزائري.
+ الجزائر تعرف مجموعة من التغيرات سواء على مستوى قيادة الجيش بوفاة القائد صالح الذي خلفه سعيد شنقريحة، أو باستقالة عبد العزيز بوتفليقة بعد حراك شعبي و تعويضه بعبد المجيد تبون المدعوم عسكريا و المرفوض شعبيا، و هو اليوم يصارع فيروس كورونا في المستشفيات الألمانية. فهل تعتقد أنه في ظل هذه الظروف أن الجزائر لها القدرة على مجابهة المغرب عسكريا سواء بشكل مباشر أو بالوكالة، دون أن ننسى أن ميزانية الحكومة الجزائرية أصبحت تعرف عجزا، فزمن البحبوحة المالية قد ولى مع انهيار أسعار المحروقات و تراجع حجم العملة الصعبة. ما رأيك ؟
التاريخ يعلمنا أن عقيدة الجيش الوطني الشعبي الجزائري لم تتغير، فمؤسس المخابرات العسكرية الجزائرية قبل الاستقلال، و نظرياته ما زالت قائمة إلى الآن و تدرس في أكاديمية “شرشال” و هو الكولونيل عبد الحفيظ بوصوف، المعروف بـ “سي مبارك”، فنظرية تؤكد أن الجزائر حتى تتمكن من بناء دولتها أو تقضي على المعارضات الداخلية (بحكم أن الجزائر شعوب و قبائل) لا بد أن تروج لعدو خارجي محتمل، و هذا العدو الخارجي كان على الدوام هم المغرب و فرنسا.
هذه النظرية لا زالت قائمة في أدبيات و في عقيدة الجيش الوطني الشعبي، بدليل أننا إذا حللنا تصريحات مرتزقة “البوليساريو” نرى أنهم يستعملون نفس المصطلحات التي استعملها المرحوم أحمد بن بلة (أول رئيس جزائري بعد الاستقلال) و الذي قال “المراركة حكرونا”.
جبهة “البوليساريو” كانت تخطط في معبر الكركارات أن يقع المغرب في فخ “الكارناج”، أي في فخ مجزرة يروح ضحيتها المدنيون و العسكريون، و هذا ما تفاداه المغرب بحرفية كبيرة، رغم أن “البوليساريو” حاول أن يحرق خيامه فوق رؤوس المدنيين الذين جلبهم إلى المنطقة. فالهدف الأساسي للبوليساريو كان هو جر المغرب إلى ارتكاب مجزرة، و هو ما لم يحصل، فقد تمت العملية لأقل من ساعة، أكثر من ذلك فالجيش المغربي سمح لهم بالفرار بدون متابعة.
قبل مدة صرح لي أحد قادة “البوليساريو” في باريس أنهم سيبحثون عن إمكانية تمزيق اتفاقية وقف إطلاق النار، مما يعني أن هذه الخطوة التي اتخذتها جبهة “البوليساريو” اليوم كانت منتظرة.
مما لا شك فيه أن جبهة البوليساريو تعرف اليوم مجموعة من التصدعات، و الجزائر بدورها تعرف تصدعات داخلية، و بالتالي فكان من المنتظر أن يتم ترحيل المشكل نحو المغرب بشكل أو بآخر، و هكذا نسجوا هذا السيناريو بشكل محبوك لجر المغرب إلى ما لا يحمد عقباه، فحتى الأمم المتحدة التي وثقت العملية أثارها سرعة الانجاز من طرف الجيش المغربي.
+ ما أفهمه من كلامك أن الحرب بدأت ؟
نعم الحرب بدأت و اتفاقية وقف إطلاق النار تم خرقها من طرف البوليساريو التي شنت هجمات خلف الجدار، و ينبغي الآن أن نشير أن الجيش الملكي المغربي في العام 1975 ليس هو الجيش الملكي المغربي في العام 2020.
+ هذا يحيلنا إلى استشراف المستقبل، ماذا لو اندلعت حرب بين المغرب و جبهة البوليساريو التي تقف خلفها الجزائر ؟ هل ترى أن الجيش المغربي ستكون اليوم مهمته أسهل، فهو يتفوق عسكريا على الجزائر على سبيل المثال في سلاح الجو و كذلك في سلاح المدرعات ؟
الجيش الملكي المغربي استفاد كثيرا من 16 سنة من حروب الصحراء، التي كانت حربا تشنها الجزائر بالوكالة، فالجيش المغربي أصبح متمرسا وقوة إقليمية في ما يخص حروب الصحراء، فلا يوجد اليوم في العالم، حسب مراكز دراسات غربية، جيش تمرس على حرب الصحراء لمدة 16 سنة بدون توقف مثل الجيش المغربي، و هذا ما يخيف البوليساريو ومن يدعمها، فالبوليساريو لم يقم بهذا المخطط إلا بعد تزكيته من الجزائر بل و طبخه داخل أقبية المخابرات الجزائرية ودعمه من طرف القيادة العسكرية الجزائرية، و هذا لا لبس فيه، فلا يعقل أن عسكريون ومعهم مدنيون يقطعون أزيد من 1500 كيلومتر للتموقع في الكركارات و وصلوا حتى إلى المحيط الأطلسي بدون تزكية و موافقة من طرف قيادة الأركان الجزائرية ومخابراتها و دركها.
+ تقول أن هناك اليوم خلاف داخل الجزائر حول جبهة “البوليساريو” فيبدو أن هناك جناحا في الجزائر يريد أن يدفع بالبوليساريو إلى التهلكة من خلال دفعه إلى مواجهة المغرب عسكريا. ألا يمكن أن يكون هذا السيناريو مطروحا ؟
هناك اليوم خلاف داخل الجزائر، و هذا صحيح، الخلاف موجود بين الفريق الأول بن علي بن علي، وقائد الحرس الجمهوري ثم رئيس الأركان سعيد شنقريحة، الخلاف موجود بالأساس حول طبيعة هذه العملية، و يبدو أن البوليساريو تورطت في هذا الخلاف و أصبحت بدورها طرفا في صراع الأجهزة داخل الجزائر و صراع الجنرالات.
+ هل هذا الصراع بين الجنرالات داخل الجزائر سينعكس بشكل سلبي على البوليساريو، فقد يتم التغرير به للدخول في حرب مع المغرب ثم التخلي عنه بعد ذلك، فكيفما كان الحال فالقرار ليس في ملك البوليساريو ؟
القيادة الجزائرية في مشارعها المستقبلية و أمام الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية أصبحت لا تستطيع تحمل أعباء البوليساريو، وهي بالتالي تحاول ترحيله إلى شمال موريتانيا بدأ من منطقة الكركرات، بعض الجنرالات في الجزائر يشبهون ما وقع لهم بأنهم احتضنوا جملا صغيرا في البيت، غير أن هذا الجمل أصبح كبيرا و لا يمكن إخراجه من البيت إلا بتكسير البيت، و هذا المثل يروج عند الساسة العسكريين في الجزائر، و بالتالي فالمشكل اليوم أن البوليساريو أصبح طرفا مباشرا في صراعات الأجنحة داخل المؤسسة العسكرية.
حسب بعض مصادري فقد وقع خلاف بين قائد المنطقة العسكرية الثالثة في تندوف و قائد الأركان و قائد الدرك و المخابرات و على رأسها الجنرال منصور بن عمارة المدعو “الحاج رضوان”، الذي يعتبر الرجل القوي داخل قصر المرادية، بعدما تبين لهم أن ردود الفعل العالمية كانت ضدهم، و أن لعبة الضحية لم تنفع هذه المرة.