أنا الخبر ـ متابعة
أعلنت وزارة الخارجية المغربية، عبر أسلوب التسريب(..) وليس عبر القنوات الرسمية، خبرا مفاجئا لجميع المتتبعين، يتعلق بمذكرة صادرة عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي، أعلن من خلالها الوزير ناصر بوريطة، عن ((تعليق كل أشكال التواصل والتفاعل والتعاون في جميع الحالات، وبأي شكل من الأشكال مع السفارة الألمانية وهيئات التعاون الألمانية والمؤسسات السياسية التابعة لها))، بسبب ما أسماه ((سوء تفاهمات عميقة حول قضايا أساسية للمملكة المغربية))، وفي غياب أي تأكيد عبر القنوات الرسمية، قالت وزارة الخارجية الألمانية، في معرض تفاعلها مع التطورات، أن الرسالة وصلت، كما أوضحت ((أنها أحيطت علما بالتقارير الإعلامية الواردة من المغرب، بيد أن التفاصيل الدقيقة لهذه الخطوة وحيثياتها، ما زالت غير واضحة لبرلين)).
ورغم غياب اتهام رسمي من الخارجية المغربية للسفارة الألمانية في الرباط، إلا أن عدة مصادر ترجح فرضية تطاول ألمانيا على السيادة المغربية على أقاليم الصحراء من خلال تصرفات استفزازية، آخرها رفع علم البوليساريو أمام مبنى برلمان ولاية بريمن الألمانية، بالإضافة إلى احتضان مبالغ فيه للبرلمان الألماني في برلين لأنشطة البوليساريو.
هذا من حيث التحركات السياسية، أما من حيث لغة التقارير الإعلامية، فإنه لا يمكن الحديث عن التواجد الألماني في المغرب دون الحديث عن التمويل الأجنبي للمجتمع المدني، وسبق لهذا الموضوع أن أثار ضجة كبيرة في المغرب إلى درجة أن وزارة الخارجية المغربية عممت مذكرة على مختلف المصالح الدبلوماسية الأجنبية بضرورة المرور عبر المؤسسات الوطنية في كل ما يتعلق بالتمويل، هذه ((المراسلة التي أشرفت عليها جهات عليا، والتي من المؤكد أن لها علاقة بتوتر الأجواء في الريف والصحراء، دعت بشكل صريح، الهيئات الدبلوماسية والتمثيليات القنصلية وفروع المنظمات الدولية والإقليمية ووكالات التعاون العاملة في المغرب، وتظهر الغاية من المراسلة الحازمة بوضوح، في دعوتها كافة الهيئات سالفة الذكر، إلى احترام القنوات الدبلوماسية، وأن كل اتفاق، وكل برنامج عمل، أو تمويل من هذه الهيئات لمنظمات حكومية أو غير حكومية مغربية، يجب أن يمر عبر القنوات الدبلوماسية)) (المصدر: الأسبوع/ عدد 20 أبريل 2017/ بعنوان: “المغرب يهدد بطرد الدبلوماسيين المتهمين بتمويل ثورة في الريف والصحراء”).
وربما أن النشطاء التابعين للبرامج الألمانية لا يخفون تحركاتهم داخل المغرب، لدرجة أنها تسعى لتحقيق “اختراق حكومي”.. فالوزيرة السابقة المكلفة بالبيئة في حكومة عبد الإله بن كيران، والتي اشتهرت بفضيحة “أزبال الطاليان”(..)، كانت جزء من برنامج ألماني هدفه تمكين النساء من الوصول إلى مراكز القرار؟ وقد نقلت الصحافة ذات يوم على لسان مسؤول عن مؤسسة “فريدريش نيومان” الألمانية بالمغرب، واسمه عبد الواحد بوكريان، أن حكيمة الحيطي كانت “منتوجا لمشروع ممول من طرف وزارة الخارجية الألمانية”، فـ((في المغرب، توجد ثلاثة مشاريع يتم تمويلها عبر “فريدريش نيومان” من أموال وزارة الخارجية الألمانية، الأول يتعلق بمشروع هدفه تقوية قدرات النساء للوصول إلى مراكز القرار، سواء إداريا أو سياسيا، وفي هذا الإطار، تم العمل رفقة “كونكتين غروب” منذ عام 2011، والتي كانت ترأسها الوزيرة حكيمة الحيطي، بلغت تكلفة المشروع 100 ألف أورو خلال العام الماضي، فيما رصد له مبلغ 80 ألف أورو بالنسبة للسنة المقبلة، وهو مشروع، حسب بوكريان، أتى بأكله، حيث تم تعيين رئيسته في الحكومة الحالية، وأخريات من نفس المنظمة في مناصب مهمة)) (المصدر: تصريح بوكريان لموقع “اليوم 24″/ 17 نونبر 2014).
ومن الناحية العملية، يعد بوكريان واحدا من الذين لا يرون أي ضير في حصول جمعيات المجتمع المدني على تمويلات خارجية؟ لكن كلامه تضمن خلطا بين “النشاط المدني” و”النشاط السياسي” الذي تكون نتيجته أحيانا، تعيين وزراء في الحكومة، علما أن النشاط السياسي موكول للأحزاب، وليس نشاطا للمجتمع المدني، ذلك أن الأحزاب، وهي المختصة بممارسة العمل السياسي، محكومة بمقتضيات قانون الأحزاب الذي يمنع عليها الحصول على أي تمويل أجنبي، وذلك حسب المادة 31 من قانون الأحزاب التي تقول: ((يجب أن تؤسس الأحزاب السياسية، وأن تسير بأموال وطنية دون سواها)) (تفاصيل أكثر: الأسبوع/ عدد 28 شتنبر 2017).
وكانت ألمانيا قد حاولت منذ فترة محاصرة المغرب في الملف الليبي، من خلال مؤتمر برلين الذي نظم بتاريخ 19/1/2020، ورغم أن هذا المؤتمرجاء لحجب الرؤية عن “اتفاق الصخيرات”، فإن ((اتفاق الصخيرات هو الاتفاق الأساس في الأزمة الليبية من الناحية العملية، فلولاه لما كانت هناك أطراف ليبية يمكن التحاور معها أصلا، بعد أن دخلت ليبيا في دوامة الحرب الأهلية، وتكمن مخاطر اجتماع برلين، في كون أغلب المجتمعين لم تكن لهم علاقة بالأزمة الليبية، فضلا عن تطوير هذا الاجتماع ليشمل الاتحاد الإفريقي ممثلا في دولة الكونغو التي استدعيت في آخر لحظة، بدعوى أن الاتحاد الإفريقي كلف رئيسها دنيس ساسونغيسو، قبل ثلاث سنوات، برئاسة لجنة رفيعة تعنى بالأزمة الليبية، وهو مبرر مضحك، لأن تأسيس هذه اللجنة لا يرقى إلى مستوى “لقاء الصخيرات”، كما أن اجتماع برلين تفوح منه رائحة التآمر على الوحدة الترابية المغربية، ذلك أن انفتاحه على إفريقيا اقتصر على جمع أطراف تبدو محايدة وأطراف أخرى تميل لمساندة البوليساريو، ما يعني أن هذا التحالف الذي أعلن عن نفسه في شكل “اجتماع”، قد يكون مجرد مقدمة لتحالف كبير من أجل الاستمرار في التدخل في شؤون دول شمال إفريقيا، ومن بينها المغرب)) (تفاصيل أكثر: الأسبوع عدد 23 يناير 2020).
إذن، فبلاغ وزارة الخارجية المغربية الصادر مؤخرا، لا يحمل من طابع المفاجأة إلا الاسم، فقد سبق للوزير ناصر بوريطة، أن نبه إلى التجاوزات الألمانية في الملف الليبي ضد المغرب على هامش مؤتمر برلين، عندما نقل ((استغراب بلاده (المغرب) من إقصائها من حضور مؤتمر برلين حول ليبيا المقرر انعقاده يوم الأحد في العاصمة الألمانية))، وتساءل عن ((أسباب هذا الإقصاء على الرغم من انخراط المملكة في الملف الليبي منذ بداية الأزمة))، وأشار الوزير إلى ((احتمال وجود مؤامرة للتأثير على اتفاقيات الصخيرات، التي تعتبر المرجع الوحيد لقرارات مجلس الأمن))، كما ((رفض استغلال بعض الأطراف للملف الليبي، لتحقيق مصالحها السياسية، وشدد على أن الأزمة الليبية ليست حكرا على دولة معينة وسوف يتم تجاوزها بالجهود الدولية)).
يذكر أن “الأسبوع” كانت سباقة، كما سبقت الإشارة، إلى التحركات الألمانية المقلقة فوق التراب المغربي، وهو ما جعل سفارة ألمانيا في الرباط تلتقط الرسالة، لتوضح أن المنظمات الألمانية الخمسة العاملة فوق التراب المغربي، لا تتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، حيث قال سيباستيان نيوبوير، الناطق باسم السفارة الألمانية في الرباط: ((إن المنظمات الألمانية في الرباط ينصب عملها على المجهودات التنموية، فهي تتماشى مع مصلحة الشعب المغربي والتوجيهات الملكية)).. وهو الكلام الذي لا يتوافق مع التطورات الأخيرة، حيث تم قطع العلاقات بين البلدين بسبب “سوء تفاهم كبير”. (المصدر : الأسبوع الصحافي)