تقرير يُوصي الرئيس الجزائري ببناء مغرب عربي بدون “المغرب” في التفاصيل،
يبدو أنْ لا شيء من كلّ الخيبات والنكسات المتلاحقة التي حصدها كابرانات “الجارة” الشّرقية بسبب ضغينتهم وحقدهم المَرَضيين تجاه المغرب
كافٍ لجعلهم يعودون من غيّهم ويلتفتوا إلى مطبخهم الدّاخلي، بدل مواصلة “محاربة الطواحين” من خلال استمرارهم في مهاجمة “عدو” وهمي
ليس إلا في أدمغتهم المتحجّرة، التي صارت حديث العالم أجمع، لغرابتها وسرياليتها اللتين فاقتا كلّ التوقعات…
في هذا السّياق، كشف تقرير تمّ تسريبه في مستهلّ السنة الجارية، كان عبد الحفيظ علاهم، مستشار الرئيس الجزائري -المكلف بالعلاقات العامّة،
قد بعثه إلى عبد المجيد تبون، فصلا آخر من هذه العقلية، التي تواصل إضحاك الأنام على هؤلاء “العباد” الذين يبدو أنهم يعيشون في مجرّة أخرى.
وتُظهر الفقرات المُسرّبة من التقرير مدى سذاجة مسؤولي الجار الشّرقي للمغرب.
فقد دعا علاهم بـ”سذاجة” مُضحكة إلى إنشاء “اتحاد مغرب عربي” جديد “يُستثنى” منه المغرب لسبب لا يعرفه إلا “جهابذة” هذه البلاد الغريبة بمسؤوليها،
الذين بلغ بهم حقدهم على كلّ ما هو مغربي مستويات تعجز العقول عن إدراك دوافعها ومُسبّباتها وغاياتها.
ومما جاء في هذه المراسلة العجيبة أنّ “الوقت قد حان لبلورة نظرة تحدّ، وبأسلوب علمي ومنهجي، لملف الصحراء، بما يقتضي المصلحة العليا للجزائر”،
وأننا “نرى من خلال وجهة نظرنا أنه أصبح من الواجب التسريع بتطبيق قرار خبرائنا الإستراتيجيين
بعزل العدو المغربي على المستوى الإقليمي في حيّز زمني لا يتجاوز الخمس السنوات”.
ووفق “عقلية” هؤلاء “الخبراء الإستراتيجيين”، فإنّ هذا “العزل” للمغرب سيتمّ، بحسب ما جاء في الوثيقة ذاتها “عن طريق تحالف قوي وإستراتيجي يجمع الجزائر بتونس وموريتانيا،
ويكون بمثابة الحجر الأساسي لإنشاء إتحاد مغرب عربي مصغّر يشمل الدول الثلاث..
ومن خلال هذا التحالف سندافع عن مصالحنا الإستراتيجية في المنطقةـ وعلى رأسِها ملف الصّحراء”.
ووصل “خبراء” الجزائر الذين لم يجُد زماننا بأمثالهم في “الغباء” في هذا التقرير،
الذي يُثبت مجدّدا تورّط بلاد “الجنرالات” في “حشر أنوفهم” في ملفّ الصّحراء المغربية،
إلى حدّ وصف ملفّ هذا النزاع الذي افتعلوه لفرملة تقدّم المغرب، “مصلحة إستراتيجية عليا”.. ونِعم “الجوار”!..
وعن الدّوافع إلى دعوة التسريع ببناء هذا “الاتحاد المغاربي الجديد”،
الذي يُقصي “العدو” المتوهّم لكابرانات الجزائر و”عزله” عن كلّ من تونس وموريتانيا وليبيا، أوردت الوثيقة المضحكة “مع كامل الأسف،
جميع تقارير الأمين العام للأمم المتحِدة وقرارات مجلس الأمن خلال السنوات الأخيرة تخلو تماماً من أية إشارة إلى خيار الاستفتاء،
في مقابل ورود الطرح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي عشرات المرّات،
مع وصفه بالجدي وذي المصداقية، وبأنه يشكل أساسا موثوقا لتسوية سياسية عملية وواقعية ومتوافق بشأنها
وهذا ما جعل موقف الجزائر في القضية جد ضعيف على المستوى الدولي
وتأكدنا من هذا الضعف في تنامي ظاهرة فتح قنصليات الدول في الصحراء…
ومما زاد الطين بلّة أن الإتحاد الإفريقي، الذي كان يمثل لنا نقطة قوة في الدفاع عن أطروحتنا في قضية الصحراء،
أصبح يقرّ بأن العملية السياسية هي شأن حصري تدبّره الأمم المتحدة وليس أية هيئة دولية أو إقليمية أخرى”.
لكنّ الدوافع الحقيقية سيفضحها هذا المسمّى علاهم وهو يشير في تقريره المهزلة
إلى أن “المغرب أطلق سلسلة مشاريع ضخمة في الصّحراء أسهمت في خلق أنشطة اقتصادية وتجارية وفلاحية وصناعية…
وهذا ما جعل الموقف المغربي يتقوى إقليميا ودوليا، في حين تمّ إقبار خيار الاستفتاء الذي طالما دافعنا عليه وصرفنا من أجله الغالي والنفيس داخل الأمم المتحدة”.
ولاحظوا الجملة الأخيرة في المقتطف أعلاه، والتي فضح فيها هذا “الخبير الإستراتيجي” نفسه،
ومِن ورائه كلّ عساكر الجارة الشّرقية ومدى غبائهم في إنفاق أموال طائلة على حساب المواطن الجزائي المغلوب على أمره.
فقد جاء في نهاية هذا المقطع: “في حين تمّ إقبار خيار الاستفتاء الذي طالما دافعنا عليه
وصرفنا من أجله الغالي والنفيس داخل الأمم المتحدة”… وشرح الواضحات من المفضحات، كما يقولون..
ولم تُغفل هذه الوثيقة التطرّق للاعتراف الأمريكي بمغربية الصّحراء، الذي يبدو أنّ جنرالات قصر المرادية لم “يهضموه” بعد،
إذ ذكرت التوصية المُسرّبة بهذا الخصوص أنّ “الاعتراف قرار مؤسّساتي يتعلق بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وكان بمثابة ضربة قوية للجزائر”.
وكان الموقف الإسباني القاضي بدعم المقترح المغربي في الصّحراء حاضرا في هذه التوصية، التي سجّلت أن الموقف القرار الإسباني كان “مفاجئا وصادما للجزائر”،
إذ جاء في التقرير: “لقد قمنا وبمساعدة حلفائنا هناك، وأيضا باستعمال ورقة الغاز بمجهودات جبّارة للضغط على مدريد لتتراجع عن موقفها بدون جدوى”،
لأن الرّباط كانت تمتلك أوراق ضغط لعبت بها بطريقة احترافية وأغلقت بذلك في وجه الدبلوماسية الجزائرية جميع الطرق الممكنة لتجميد الموقف الإسباني”.
هي محطّة أخرى من محطات إهدار الفرص من هذا النظام العسكري المُترهّل.. فبدل أن يدفع في اتجاه “إحياء” اتحاد المغرب العربي،
الذي كان قادة الدول المغاربية الخمس قد أعلنوا، وفي المغرب بالمناسبة وليس في مكان آخر إنشاء هذا الاتحاد،
ها هم قادة النظام المفلس في الجارة الشّرقية يجدّدون دعواتهم المتواصلة إلى الفرقة والعزلة من أجل
إبعاد “عدو” وهميّ يواصلون من خلاله تبديد أموال الشّعب الجزائري المسكين
في ما لا ينفع الناس ولا يلبث في الأرض… في أرض الصّحراء المغربية تحديداً!