باريس تُخضع الجزائر وتُرسخ دعمها لمغربية الصحراء وفي التفاصيل، في أول تحرك دبلوماسي منذ شهور من القطيعة، حطّ وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بالجزائر في زيارة كشفت عن تراجع واضح من السلطات الجزائرية أمام الشروط التي كانت قد وضعتها باريس مسبقاً، خاصة ما جرى الاتفاق عليه خلال المكالمة الهاتفية التي جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون نهاية مارس الماضي.
اللقاء الذي جمع بارو بالرئيس الجزائري دام أكثر من ساعتين، وتمخض عنه إعلان نية الطرفين تجاوز التوترات الأخيرة وفتح صفحة جديدة من التعاون المتكافئ. الوزير الفرنسي أكد أن التعاون بين البلدين سيُستأنف بشكل فوري في مختلف المجالات، وفق مقاربة مباشرة تترجم رغبة باريس في تجاوز الأزمة من موقع القوة، وضمن شروط واضحة حددتها منذ البداية، من أبرزها عدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام تحالفاتها الإستراتيجية، وخاصة ما يتعلق بعلاقاتها المتينة مع المغرب.
الجزائر من جهتها أبدت تخوفاً واضحاً من تطور العلاقات بين الرباط وباريس، خاصة بعد الدعم الفرنسي لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية وتعزيز التعاون بين البلدين. وهو ما تعتبره الجزائر إخلالاً بالتوازن، رغم أن باريس أكدت أن علاقتها مع الجزائر لن تكون على حساب شراكاتها التقليدية، في إشارة مباشرة إلى المغرب.
الرضوخ الجزائري بدا واضحاً من خلال عودة الجزائر إلى فتح أبواب الحوار مع باريس، بعد رفض استقبال الوزير نفسه في وقت سابق مرتين، وهو ما يعكس حاجة ملحة لدى النظام الجزائري لإعادة ترميم علاقاته مع فرنسا، خاصة في ظل ضغوط متزايدة ترتبط بملف الطاقة والهجرة ووضعية الجالية الجزائرية، مقابل تبني باريس خطاباً صارماً يقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
بارو عقد لقاءً آخر مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، ناقش فيه الجانبان ملفات الذاكرة، والهجرة، والتعاون الأمني والطاقة، إلى جانب قضية الكاتب بوعلام صنصال، الذي لا يزال محتجزاً بالجزائر، في مؤشر إضافي على حجم التوترات التي خيمت على العلاقة في الفترة الماضية.
المحلل السياسي عبد الفتاح البلعمشي أكد أن الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية كان سبباً رئيسياً في تصعيد الأزمة مع الجزائر، لكنه أوضح في الآن ذاته أن فرنسا باتت أكثر وضوحاً في دعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مستشهداً برسائل ماكرون وخطابه بالبرلمان المغربي، إلى جانب تصريحات مسؤوليين فرنسيين رفيعي المستوى، مشدداً على أن الجزائر أصبحت في موقع التابع ضمن هذه العلاقة، بعد أن اضطرّت للقبول بالشروط الفرنسية لتأمين حد أدنى من المصالح.
من جهته، يرى عبد الوهاب الكاين أن زيارة الوزير الفرنسي تمثل بداية عسيرة لإعادة تطبيع العلاقات الجزائرية الفرنسية، لكن وفق شروط صارمة وضعتها باريس، في مقدمتها إطلاق سراح الكاتب صنصال، وعدم التدخل في شؤونها، واحترام موقفها من وحدة المغرب الترابية. كما أشار إلى أن الجزائر خسرت الكثير بسبب عدائها المفرط للمغرب، وهو ما لم يعد مقبولاً في السياق الإقليمي والدولي الجديد.
وخلصت المواقف إلى أن الجزائر تعيش مأزقاً دبلوماسياً فرض عليها التراجع والقبول بالواقع الجديد، في وقت يواصل فيه المغرب ترسيخ موقعه كشريك استراتيجي موثوق به، خصوصاً من طرف فرنسا، التي أكدت من جديد أن دعمها لمغربية الصحراء ليس محل مساومة، بل يمثل جزءاً من رؤيتها الإقليمية طويلة المدى.