أنا الخبر ـ الصباح
أوقف العفو الملكي، الصادر أول أمس (الأربعاء)، في حق المتابعين في قضية الإجهاض، المعروفة بملف الصحافية “هاجر الريسوني”، أحلام المتربصين ممن يركبون على قضايا المجتمع، للنفخ فيها وإلباسها لبوسات سياسوية، ويتخذونها مطية للنيل مما تحقق من منجزات على الأصعدة الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، إذ لن يستسيغوا إنهاء مأساة المتهمين، لأنها ستنهي ركوبهم على الأحداث لتحقيق الأجندة المستعدة للتخريب سواء منها الداخلية أو الخارجية.
وحملت عبارات الديوان الملكي، مصطلحات بدلالات مواطنة، تعكس معاني وأهداف الحق السيادي الذي يمارسه الملك، وفقا للدستور، ووفقا لمؤسسة إمارة المؤمنين. ونص بلاغ الديوان الملكي، الصادر من قبل وزير العدل على اسم هاجر الريسوني، فقط، بينما باقي المحكومين ابتدائيا والذين مازالوا متابعين استئنافيا، ذكرهم بالصفة، بدءا بالخطيب وانتهاء بالطاقم الطبي، ما يترجم الاهتمام الكبير الذي تحظى به المرأة لدى الملك منذ اعتلائه العرش، والتي جعل حقوقها ضمن أولويات الإصلاح المؤسسي في المغرب، وهو ما أكده في خطاباته الآمرة بتعزيز دور المرأة المغربية وإشراكها في مراكز صنع القرار، ورسالته التاريخية التي صدح فيها برفع جميع التحفظات على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، لمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ناهيك عن مدونة الأسرة التي كانت بحق تعبيرا عن إرادة ملكية، ودعوته الأخيرة إلى مراجعة بعض فصولها بما ينسجم مع التوجه الجديد للمملكة في تعزيز دور المرأة والأسرة معا.
ولعل العفو الملكي، المقنن في الفصل 58 من دستور 2011، والذي أجري على ظهيره الشريف تعديلان منذ صدوره في 1963، آخرهما في أكتوبر 2011، يظل حقا سياديا للملك، ويمكنه إصداره “سواء قبل تحريك الدعوى العمومية أو خلال ممارستها أو إثر حكم بعقوبة أصبح نهائيا”، وهو ما ينص عليه الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 443-73-2 ، المحين في 2011، كما أنه “لا يلحق في أي حال من الأحوال ضررا لحقوق الغير، حسب الفصل السابع من الظهير نفسه”.
وبعيدا عن العفو الملكي، الذي أشعل مختلف مواقع التواصل السريع بتدوينات عكست التفاعل الكبير، مع تدخل الملك وتثمينه، فإن المبادرة في الآن نفسه إشارة قوية إلى المسؤولين عن التشريع خصوصا بغرفتي البرلمان، لإيقاظهم من سباتهم ولفت انتباههم إلى آمال المواطنين في سن قوانين تراعي الحاجات وتتماشى مع التطورات المجتمعية والاجتهادات الفقهية، بعيدا عن التعصب أو المزايدات السياسوية، سيما بالنسبة إلى قوانين تهم الحريات أو ترفع مآسي النساء، فالقضية التي توبع من أجلها الطبيب فاعلا رئيسيا، مشروع قانونها مازال عالقا بالبرلمان، منذ 2016، حين صادقت الحكومة على مشروع قانون الإجهاض، إثر مسار انطلق بنقاش مجتمعي وسياسي كبير، تدخل إثره ملك البلاد مرة أخرى، ليحسم الأمر في مارس 2015، ويأمر بإحداث لجنة مكونة من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بإطلاق مشاورات، بهدف مراجعة القوانين المنظمة للإجهاض في المملكة.
وبينما يظل المشرع حبيس نظرية التجريم والتحريم، عكس ما تطلبه الجمعيات المدافعة عن الحقوق والحريات، فإن تاريخ التشريع في هذه المادة بالضبط، ارتبط دائما بالتوجه الفقهي الديني، أو ما يسمى بالضوابط الشرعية، رغم أن القانون نفسه فتح أقواسا في قوانين أخرى، اختلط فيها الأمر، إذ في الوقت الذي يجرم فيه القانون الجنائي العلاقات الرضائية، ويعتبرها جنحة يعاقب عليها قانونا، ولا يعترف إلا بالعلاقة الناجمة عن عقد قران مخاطب عليه من قبل قاضي التوثيق، فإن قانون الأسرة يعترف بالحمل الناتج في فترة الخطبة، ويلحقه بالخاطب.
كما أن القانون الجنائي نفسه أو المشروع المدرج اليوم، عندما يتحدث عن حق الإجهاض، ويحصر إباحته في حالات معدودة ضمنها صحة الأم، فإنه لم يحدد المقصود بالأم وهل يشمل المعنى الأم العازبة، التي أصبحت تحظى برعاية وحقوق لأطفالها وغير ذلك مما يعاش على الواقع.
ولعل كل النقاشات التي دارت حول موضوع الإجهاض، تنتهي بتوصيات تدعو إلى تبني مقاربة شمولية تجمع ما بين حماية صحة المرأة، وبين حق الجنين في الحياة، ووضع خطط وإستراتيجيات تربوية وثقافية واجتماعية.