أنا الخبر ـ متابعة
يبدو أن البرود الدبلوماسي الحاصل بين المغرب وتونس ستكون له انعكاسات اقتصادية أكثر وضوحا في الأيام القادمة، وذلك بعد تداول معطيات وتقارير تُؤكد أن الرباط تتجه لمراجعة اتفاقية التبادل الحر التي تربطها بهذا البلد المغاربي، على غرار ما حدث قبل مع تركيا سنة 2020، الأمر الذي سيُنهي سنوات طويلة من الخسائر التي كان يتكبدها الميزان التجاري المغربي لصالح الصادرات التونسية.
وأكدت وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” وفق ما كتبتبه “الصحيفة”، أن المغرب يستعد لفرض ضريبة بقيمة 17,5 في المائة على الصادرات التونسية، وتحديدا الزرابي والأدوات المنزلية والمكتبية، إلى جانب مراجعة الضرائب المفروضة على عدة منتجات مثل صادرات الحديد والمنسوجات، وذلك من أجل إعادة التوازن إلى ميزانه التجاري، في خطوات سبق وأن طبقها على اتفاق التبادل الحر الذي كان يربطه بتركيا.
وعلى مستوى الأرقام كان الميزان يميل بشكل كبير إلى تونس خلال السنوات الماضية، وذلك لكون أهم الصادرات المغربية لا تجد طريقها إلى هذا البلد الذي يُفضل جلبها من وجهات أخرى، وهو ما يُفسر وصول صادرات تونس إلى المغرب سنة 2019 إلى رقم 236 مليون دولار، في حين كانت قيمة صادرات المغرب إلى السوق التونسي أقل من 90 مليون دولار.
ويرتبط المغرب وتونس باتفاقية للتبادل الحر مُبرمة بتاريخ 16 مارس 1999، والتي تنص على إقامة منطقة للتبادل الحر بصفة تدريجية خلال فترة أقصاها 31 دجنبر 2007، لذلك جرى الشروع في تفكيك الأداءات الجمركية في هذه المنطقة لتصل إلى 100 في المائة، غير أن المبادلات التجارية بين البلدين ظلت دائما دون المستوى المأمول، إذ كان يُفترض أن تصل إلى 500 مليون دولار سنة 2020 وهو ما لم يتم.
وتستفيد تونس من اتفاقية أخرى مع المغرب، في إطار دول مجموعة أكادير التي تضم أيضا المغرب ومصر، ووفق تقرير لرئاسة الحكومة المغربية، استنادا إلى معطيات مكتب الصرف ووزارتي المالية والخارجية، فإن الميزان التجاري المغربي يعاني عجزا مع دول هذه الاتفاقية أيضا، بلغ ناقص 17,87 في المائة مع متم سنة 2017، ففي الوقت الذي بلغ فيه حجم الواردات 437,3 مليون دولار، لم يزد حجم الصادرات عن 248,5 مليون دولار.
لكن العامل الاقتصادي قد لا يكون وحده الدافع إلى مراجعة الاتفاق التجاري المغربي التونسي، إذ على المستوى السياسي أيضا لا يعيش البلدان أفضل فترة لهما في عهد الرئيس قيس سعيد، الذي اختار التوجه صوب الجزائر، هذه الأخيرة التي أضحت تجد لنفسها تأثيرا متزايدا على الاقتصاد التونسي الذي يعاني من تراجع ملحوظ منذ أواخر 2010 بسبب تبعات عدم الاستقرار السياسي الذي تلا “ثورة الياسمين”، وقد أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا عن منح تونس قرضا بقيمة 300 مليون دولار.
وبدا انعكاس التقارب مع الجزائر واضحا في علاقة تونس بالمغرب، وذلك عندما قام ممثلها في مجلس الأمن في أواخر أكتوبر الماضي، بالامتناع عن التصويت على مشروع القرار المتعلق بالصحراء، وكانت تونس بذلك إلى جانب روسيا الدولتان الوحيدتان اللتان تقومان بهذه الخطوة، في حين صوت 13 بلدا بالإيجاب على المشروع بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والصين.
وبالرجوع إلى مواقف سابقة للمغرب، نجد أنه اختار الورقة الاقتصادية لتصريف غضبه الدبلوماسي المتعلق بقضية الصحراء تجاه دول أخرى، على غرار ما حدث مع إسبانيا التي قرر صيف العام الماضي “حرمانها” من امتياز كانت تتمتع به لعقود، حين ألغى موانئها من خارطة محطات عملية “مرحبا” الخاصة بعودة الجالية المغربية من المهجر، الأمر الذي شكل ضربة لاقتصاد إقليم الأندلس الذي كان يستفيد سنويا من رواج يُحدثه مرور 3 ملايين شخص من أراضيه.
وعلى الرغم من أن الملك محمد السادس ظل في جميع خطاباته الأخيرة يُشدد على استعداد المغرب لبناء الاتحاد المغاربي والتعاون مع دوله الأربعة الأخرى، إلا أنه أيضا ربط أي خطوة اقتصادية مشتركة بالاعتراف بمغربية الصحراء، وهو الأمر اتضح في خطاب المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2021، حين أبرز أن المملكة لديها “شركاء دوليون صادقون يستثمرون إلى جانب القطاع الخاص الوطني في جو من الوضوح والشفافية وبما يعود بالخير على ساكنة المنطقة”.
وفي عبارات قد تكون تونس قد أضحت معنية بها، قال العاهل المغربي “نعبر عن تقديرنا للدول والتجمعات التي تربطها مع المغرب اتفاقيات وشراكات والتي تعتبر أقاليمنا الجنوبية جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني”، وأضاف “نقول لأصحاب المواقف الغامضة والمزدوجة بأن المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية وتجارية لا تشمل الصحراء المغربية”.