رسائل «انشر لتعم الفائدة»و «لا تقف عندك» تجاوزت حدود المسؤولية الأخلاقية..والقانونية
برزت الشائعات في الآونة الأخيرة -كأحد أهم المظاهر الاجتماعية التي بدأت تطفو على السطح بشكل متفاقم-، حيث ساعدت الوسائل التقنية المتعددة على إيجادها وانتشارها بشكل كبير جداً؛ فالمجتمع أصبح يصغي للشائعات التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت، بل تثار المواضيع المختلفة المتعلقة بالشائعة وكأنها حقيقة مسلم بها، وربما وجد من يتحدث عنها ويبدي آراءه الخاصة حولها ويطلب التعليق عليها، وهناك من يكتبها على شكل رسائل قصيرة ويختم الشائعة بعبارة “أنشر.. لتعم الفائدة.. أو لا تقف عندك”.. فما الذي يدل عليه انتشار الشائعات والترويج إليها بهذا الشكل اللافت؟.
وسائل الإعلام الجديد تحولت إلى مسرح للمشككين والمحبطين دون أن يدرك بعض المشاركين منجزات مجتمعهم
الدولة حازمة في اتخاذ الإجراءات للوقاية من كورونا المرض، ولكن هناك كورونا الشائعات، وهو لا يقل خطراً عن كورونا المرض.
الشائعات ليست في مصلحة الجميع، ويجب نفي صحة الشائعات غير المنطقية، لأن ذلك ضروري لتوجيه الجهود لمحاربة فيروس “كورونا”.
لماذا يتم نشر أخبار سيئة ومغلوطة؟ بينما لا يكترث الناس بنشر الأخبار الجيدة التي تشعرك بالسعادة.
ونناشد النيابة العامة بتجريم الشائعات وفرض غرامات على من ينشرها.
نرى هناك من يكون مستعدا لتقبل الشائعات بل يزيدها ببعض البهارات بحسب مزاجه وفراغ وقت فراغه، ولذلك هي تنتشر سريعا مثل اللهب الذي يحرق العشب في السهول والغابات فتسبب حرائق ودمارا، لذلك يجب التصدي لها مع أول انطلاقة لها والرد عليها وفق نظرية الأضداد بعد دراسة معلومات عن مصدرها وشخصيته وتبعيته وتركيبته النفسية، فيتم الرد عليها وفق النظرية الإعلامية الطلقة السحرية.
لذلك فقد حذر ديننا الإسلامي الحنيف من خطورة الإشاعات وذكر ذلك في القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم … «أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
ولقد تطورت الإشاعات لتكون لأغراض سياسية هدفها خلق الفوضى والارتباك، حيث يعتمد مطلقو الشائعات على نظرية، تقول: «إن الناس مستعدون لتصديق الكذب، مهما بدا زيفه، إذا ما صادف هواهم، وتكذيب الصدق، مهما بلغ وضوحه، إذا ما خالف هواهم، ولأن رضا الناس غاية لا تدرك وأن الكمال لله فإن الإشاعة تجد لها قبولا إذ لم يتم التصدي لها وفق عمل ممنهج تواتري النشر للانتشار، وتبيان أن الإشاعة ما هي إلا خبر كاذب يحتوي على معلومات مضللة، ومع ضرورة أن يكون الرد مصمما بأن يلتقي في المضمون أو جزءا منه، ويتناسب اختلاف الثقافات في المجتمعات المدنية والعسكرية».
الإشاعة إحدى أهم أدوات الحرب النفسية إلا أنها تجمع في مضمونها أغلب خصائص الحرب النفسية، التي منها الوسيلة «الإنسان» والغاية «الروح المعنوية للخصم» ومع هذا فإن الإشاعة تظل إحدى أدوات الحرب النفسية.
تشن حرب الشائعات في أوقات السلم والحرب، وتؤثر في الاتجاهات النفسية للإنسان، وروحه المعنوية،
إن الشائعات فن من فنون عالم الجاسوسية، ولكل شائعة مهمة، وغاية، وهدف، وتعمل وفق رؤية علمية، ويختار زمانها وهدفها وبعناية فائقة، ومن أهدافها جمع معلومات عن الحدث، عن طريق إجبار المواطن على التعامل معها ويعرفها علماء الاجتماع بقولهم: «الشائعة هي ضغط اجتماعي مجهول المصدر يكتنفه عموما الغموض والإبهام ويحظى عادة باهتمام قطاعات عريضة من المجتمع.
تعد الشائعات من أهم الأدوات التي تعتمدها الحرب النفسية من أجل تحقيق أهدافها، التي منها تحطيم معنويات المجتمع، وتحطيم الثقة بمصادره الإخبارية، وتستخدم كطعم لمعرفة ردود الفعل ومعرفة معنويات المجتمع وتزدهر في الأوساط المجتمعية الأقل تعليماً والأكبر سناً، ومن غاياتها إضعاف إيمان الشعب بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية، كما تركز الإشاعات على عاملين نفسيين -الخوف والرغبة- الخوف ويعتمد التشكيك في القدرات والتهويل.
ونلاحظ أن الإشاعة تبدأ بــــ« قالوا – سمعت – ذكر مصدر مطلع .. أو صناعة صور ومشاهد من خلال برامج الفوطوشوب أو المونتاج التلفزي أو الفيلمي بشكل وكأنه الحقيقة في حين أنها تعمل وفق مقولة «جعل من الحبة قبة» والهدف هو التغيير والتشويه – التضخيم أو المبالغة لضمان شدة انتشار الإشاعة وإصابتها بالغموض، ولذلك تصنف الشائعات إلى اليائسة: وتتلخص في التخويف والكراهية ونشر الفتن، ونرى الشائعة الزاحفة، حيث وسيلتها الاتصال والنقل الشفوي ومصدرها مجهول، وتروج ببطء ويتناقلها الناس همسا وبطريقة سرية تنتهي في آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع.
الشائعة العنيفة هي التي تتصف بالعنف، وتنتشر انتشار النار في الهشيم، وهذا النوع من الشائعات يغطي جماعة كبيرة جدا في وقت بالغ القصر، ومن نمط هذا النوع تلك التي تروج عن الحوادث والكوارث أو المظاهرات والاحتجاجات، أما الشائعات الغائصة فهي التي تروج في أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها الظروف.
ولمواجهة الشائعات يجب على مؤسسات الدولة وخاصة الإعلامية أن تدرك أهمية وسائل الاتصال والإعلام في مواجهة الشائعات عن طريق ما يلي:
1- رصد أي إشاعة وكشفها للجماهير وبيان حقيقتها وهدفها وبيان الهدف من ورائها عن طريق كل وسائل الإعلام والنشر التقليدية والحديثة بشكل مستمر وتواتري، عن طريق رسائل إعلامية مؤثرة ترسل لجميع شرائح المجتمع كل شريحة تصمم لتتناسب مع تلك الشريحة «كبار السن – الشباب – الناشئة – الطلبة – منظمات المجتمع المدني».
2- رصد الشائعة والرد عليها بحسب نظرية الطلقة السحرية التي تكشفها وتجردها من حقيقتها وتحذر منها وتجعل مصدرها عدوا للمجتمع، وملاحقة ومتابعة تلك التغذية المرتدة بشكل مستمر لكشف مساراتها وإطلاق الرصاص السحري عليها، مع استخدام لغة الصور والبيانات والأرقام لدحرها.
3- عمل بيانات صحافية بشكل متواصل لتزويد وسائل الإعلام المحلية والخارجية بأكاذيب الشائعات وكشف شخصية مطلقها.
4 – تفعيل القوانين بحق مروجي الإشاعات في الداخل بحسب قانون .
5- استخدام المساجد للتصدي لمروجي الإشاعات، حيث إنه محرمة في القرآن والأحاديث النبوية الشريفة وهي تدمر العقول وتسبب الفتن والفوضى وتشتت المجتمعات الآمنة.
6- يجب على جميع أفراد المجتمع التصدي لهذا العدو المتخفي والتغلب على أسلحته غير التقليدية، لأن المراد منها التأثير على العقول والأمزجة.
7- يجب على وسائل الإعلام أن تبين للمواطنين في جميع فئاتهم الفرق ما بين الدعاية والحقيقة، وما يجعل الخبر دعاية السؤال لمن جاءت ولماذا ومتى وكيف، وعليها فإن تحليل الدعاية يشمل تحليل ما تحاوله جهة ما من جعل الناس تفكر، بينما تحليل الرأي يشمل تحليل ما يفكر به الناس لبلورة الرد بمحتواه بما يتناسب مع عقولهم ونمطهم الفكري.
8 – تفنيدها باستهداف المساحات الغامضة فيها وتوضيح تلك المساحات الغامضة على اعتبارها ثغرات تم اكتشافها وبيان كذبها ومن ثم تدميرها بحقائق المعلومات أي القضاء على الإشاعات بالمعلومات.
كما أود أن أذكر موضوع الرد على مطلقي الإشاعات أو أي مناظر ومروج لها أنه يجب أن تسخدم الأجهزة الأمنية في أي منطقة لنظرية الأضداد، فلا يجب أن يكون الرد إلا من مرتبة أقل من مرتبة مروج الإشاعات لكي لا نعطيه حجما أعلى من واقعه ولكي لا نجعل صانع الإشاعة رمزا بل أقل مقام وشأن في المجتمع.
الصحافة الصفراء
يجب حجب الوسائل الإعلامية التي تعتمد على أسلوب ترويج الشائعات والأكاذيب فيما يعرف لدينا بالصحافة الصفراء، وذلك لتحقيق نسب المشاهدة العالية دون الاكتراث بالأمن القومى للبلاد.
ونتمنى الشفاء لكل مرضانا وكل التحية لكل جنود الوطن الأوفياء العاملين في كل المواقع قيادة وحكومة ومؤسسات التي تعمل معاً كفريق واحد في مواجهة هذا الوباء وسننتصر عليه بإذن الله.
تحياتي…