بقلم: جعفر الحر
هل تعلم من هي آخر جمهوريات الموز؟
هي دولة لا توجد في أمريكا الجنوبية أو آسيا أو دول افريقيا السمراء، إنها دولة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، اختصارا الجزائر، الإيالة العثمانية السابقة التي استعمرتها فرنسا سنة 1884 وحولتها لمحافظة فرنسية (الجزائر الفرنسية)، وخطت حدودها الحالية بعد اقتطاع أجزاء من دول الجوار، ومنحتها الاستقلال سنة 1962 بعدما تبثت في السلطة مجموعة من الجنرالات الذين خدموا تحت رايتها قبل أن ينضموا للثورة الجزائرية ويسرقون الزعامة من قادتها الحقيقيين.
الجزائر التي تمتلك ثروة نفطية مهمة تحولت بسبب الطغمة العسكرية الفاسدة (يطلق عليها الجزائريون لقب العصابة) إلى دولة مفلسة وفاسدة غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لشعبها، فقد صُدم العالم في اليومين السابقين من مشاهد الطوابير الطويلة واقتتال المواطنين الجزائريين من أجل كيس دقيق (شكرة سميد باللهجة الجزائرية)، فهل هذا حال شعب تختزن أرضه ثروة هائلة، وقبل ذلك أزمة المياه التي لا تصل للغالبية العظمى للمواطنين والانقطاع المستمر في تزويدهم بالماء الشروب، ناهيك عن الارتفاع الصاروخي في باقي المواد الغدائية، أما اللحوم والأسماك فأصبحت ضربا من الأحلام للمواطن الجزائري العادي.
كذاك البنيات التحتية في جمهورية الموز الجزائرية تعود في أغلبها لفترة الاستعمار الفرنسي، لأن الأوليغارشية الحاكمة لا يهمها تطوير البلاد ولا تحقيق العيش الكريم للمواطنين، فهمها الوحيد مصالحها الشخصية من خلال تشبتها بالحكم واحتكارها لثروات البلاد مستعملة القوة والقمع، وإحباط آمال الشعب في الحرية والكرامة والعيش الكريم الذي انتفض من أجله مرات عديدة وقوبل بالحديد والدم، وتشهد العشرية السوداء التي راح ضحيتها حوالي 200 ألف قتيل على دموية الحكم العسكري في الجزائر، وكذلك إفشال الحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير 2019 من خلال جملة من الاعتقالات والتعسفات.
ولأن جمهوريات الموز تحتاج دائما سببا ما لبقاءها، فهي تعمد دائما إلى خلق “بعبع” تخيف به الشعب لضمان تبعيته والتفافه أوقمعه بدعوى مواجهة البعبع المصطنع، وبالنسبة للجزائر فقد صنعت خطرين وادعت أنهما يخططان لزعزعتها، خطر داخلي وهمي هو الارهاب الذي اصطنعته بيدها وصدرته لدول الجوار وظلت تحاربه وهما وتقتل في طريقه الأبرياء، وخطر خارجي اسمته “المراركة حكرونا” وتعني به المغرب أو ما أسماه الجنرال شنقريحة بالعدو الكلاسيكي.
ومن الثوابت الأساسية في جمهوريات الموز أيضا أنها لا تحتكم للقانون وإنما لأهواء الحاكمين الفاسدين، فهي تكيف القانون والقضاء بما يناسب مصلحتها ولا معنى لديها لثبات وحيادية القواعد القانونية أو الأحكام القضائية، فمثلا حكمت المحكمة العسكرية في البليدة بالسجن 15 عاما في حق السعيد بوتفليقة مستشار وشقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وقائد المخابرات السابق الفريق محمد مدين -المعروف بالجنرال توفيق- ومنسق أجهزة الأمن السابق بشير طرطاق -المعروف باسم عثمان طرطاق- وبالسجن ثلاث سنوات و9 أشهر نافذة في حق الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، بتهمة “المساس بسلطة الجيش والمؤامرة ضد سلطة الدولة”، بينما أدين وزير الدفاع السابق خالد نزار بـ20 سنة سجنا غيابيا، رفقة نجله لطفي.
وفي غفلة من الشعب والقانون قامت بتبرئتهم من كل هذه التهم الثقيلة والأحكام ومسحتها بممحاة التحكم، حتى أن الجنرال خالد نزار الذي كان فارًّا إلى اسبانيا، عاد للجزائر عبر طائرة رئاسية معززا مكررا، وللتذكير يعتبر كل من الجنرالين توفيق ونزار المسؤولين بشكل مباشر عن العشرية السوداء وقتل مئات الآلاف من الجزائريين، وكذلك اغتيال الرئيس السابق محمد بوضياف الذي كان توجهه القضاء على “البعبعبين” الذين صنعهما العسكر، أي تحقيق المصالحة الداخلية واختفاء الإرهاب، والتوافق مع المغرب لإنهاء قضية البوليساريو المصطنعة وتطبيع العلاقات بين البلدين.
ما تزال الجزائر تسير على دليل جمهورية الموز إلى يومنا هذا، وتستمر في تفقير شعبها واستغلال ثرواته من طرف طغمة حاكمة بالغصب جمعت بين أيديها القوة العسكرية والسلطة السياسية والموارد الاقتصادية، وخلقت أزمات داخلية وخارجية لإشغال المواطنين عن طلب حقوقه المشروعة في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، وأهم من هذا محاسبة “العصابة”.