أنا الخبر ـ تمغربيت
شكل اعتراف المغرب بموريتانيا سنة 1969، بعد حادثة حرق المسجد الأقصى (وهي التضحية الكبيرة من أجل القضية الفلسطينية والتي يمر عليه البعض مرور اليتيم بقوم) مقدمة لتوحيد الصف الإسلامي وتأسيس منظمة الوحدة الإسلامية.
هذا الاعتراف شكل منعطفا تاريخيا في العلاقات المغربية الموريتانية، حيث ظل المغرب، منذ ذلك الوقت، يعتبر التدخل في الشؤون الداخلية لموريتانيا والمس بوحدتها الترابية خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه.
في هذا السياق، لم يكن هذا التعبير الدبلوماسي مجرد شعارات تتغنى بها الدبلوماسية المغربية وإنما أتبعت القول فعلا وممارسة، ورفضت جميع المساومات التي كانت تهدف المساس بالوحدة الترابية والوطنية للشقيقة موريتانيا.
إن سياقات هذا الموضوع تتزامن مع محاولات الجزائر جر نواكشط إلى معسكرها على حساب المصالح الاستراتيجية للمغرب مع العمل على وضع المغرب بين “فكي الكماشة” من خلال استمالة عمقه الحيوي والاستراتيجي وهو الهدف الذي يتوهم العسكر بإمكانية تحقيقه من خلال اتباع استراتيجية متهالكة ومتجاوزة تعتمد على استغلال إمكانياتها المادية لإعادة إحياء مناورات المرحلة الباردة وكسب موريتانيا ومالي إلى صفها وبالتالي عزل المغرب بين مياه البحر والمحيط من جهة وبين جوار عدائي من جهة أخرى.
ويبدو أن نظام العسكر الفاقد لنعمة البصر وآلاء البصيرة قد نسي بأن الشراكات المغربية مع محيطه الإقليمي ضاربة في التاريخ ومبنية على مواقف وتضحيات وتوازن في المصالح وتقارب في وجهات النظر، وليس على حسابات ضيقة ومناورات مكشوفة ومؤامرات مفضوحة.
إن الأشقاء في موريتانيا مؤكد يتذكرون كيف أن الحسن الثاني رفض رفضا قاطعا أن تتم حلحلة ملف الصحراء المغربية على حساب الوحدة الترابية للجارة الجنوبية، ويتذكر الجميع خطاب الحسن الثاني سنة 1977 عندما زاره مبعوث من البوليساريو يعرض عليه إيقاف النزاع مع المغرب مقابل إطلاق يد البوليساريو في موريتانيا، حيث قال الحسن الثاني رحمه الله “عشرة أيام قبل رمضان، أي في أوائل شتنبر، استقبلت بشكل غير رسمي، مبعوث موثوق به من طرف من يطلق عليها “البوليساريو”، وكنت آنذاك في مدينة إفران.
جاءني وقال لي بأن البوليساريو لا يمكنها كسب حرب ضد المغرب وتعلم بأنها ستكون هي الخاسرة على المدى البعيد، وستفقد يوما ما دعم من يمولها ويحتضنها، لذلك هم يريدون حل المشكل معكم بصفة عامة وتجاوز الوضع الحالي من خلال التعاطي مع المشكل في إطاره العام.
عاد المبعوث إليهم ليسألهم عن صاحب المقترح وهل هو نابع من قناعتهم أم هم مجرد مترجم لوجهة النظر الجزائرية؟ الجواب جاءني بعد ثلاث أو أربعة أيام وقالوا بأن هذا المقترح تمت بلورته في مكتب “الرئيس” وبالتالي فنحن نقترح العودة إلى السلم وإلى الوضع الذي كانت عليه الأمور قبل اندلاع هذا الصراع ونحل جميع المشاكل ونتوجه نحن المستقبل، لكن بالمقابل تطلقوا أيدينا في موريتانيا”. هذا المقترح تلقاه الحسن الثاني بالرفض المطلق وإنكار لاذع فوت الفرصة على مشاريع إخضاع موريتانيا للأجندات التوسعية للجزائر البوخروبية.
إن ما قاله المغفور له بإذن الله الحسن الثاني لم يكن ليخفى على مسؤولي الجارة الموريتانية، وهو التوجه الثابت الذي سيتبناه الملك محمد السادس، والذي لم يتسامح مع أية إشارة سلبية اتجاه الجارة موريتانيا، ويكفي التذكير بأن أمين عام أحد أكبر الأحزاب السياسية في المغرب قد وقّع على نهاية مساره السياسي بعدما أدلى بتصريحات غير موزونة اتجاه نواكشط وتم الرد عليه من خلال بيان رسمي لوزارة الخارجية المغربية.
من خلال هذا التأصيل التاريخي والسياسي يتبين بأن الأشقاء في موريتانيا ليسوا بالغباء الذي يجعلهم يسقطون في شراك جار السوء، خاصة إذا ما علمنا أن نواكشط مرتبطة بشراكات استراتيجية مع الحلف المغربي ممثلا في كل من الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وهو ما يجعل الجارة الجنوبية تقتنع بأن مصالحها الحيوية والاستراتيجية على المدى البعيد مع هذا الحلف وليس مع نظام قلق لا يمكن توقع ردات فعله بين عشية وضحاها.