أنا الخبر – إلياس طلحة
اعتبر الدكتور “بدر اعليلوش” الباحث في مجال القانون والاقتصاد والتدبير، أن شريط “المغتصب هو أنت” الذي تزعّمته التشكيلية “خديجة طنانة” رفقة مجموعة من النسوة في إطار حملة ” حريتي جسدي”، يأتي في سياق حملة عالمية، وهي في نظره، نقطة مهمة وجب الوقوف عندها، ذلك أنه بالتبعية يحمل أفكارا غربية تتعدى الحداثة، وبهذا الشكل، فإن نقلها كما هي بدون مراعاة الخصوصيات المحلية للمجتمع المغربي، يعكس التبعية للآخر، نتيجة الكسل وغياب الإبداع، هذا الآخر الذي نحترمه طبعا، ونشترك معه في المبادئ والقيم الكونية، لكن نختلف معه ونتميّز عنه ببعض الخصوصيات، حسب قوله.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح للجريدة الإلكترونية “أنا الخبر”، يجب أن ننظر لهذا الشريط نظرة متكاملة، وأقصد البحث في خلفياته وخلفيات الجهات التي تدعمه، حتى تكون رؤيتنا شاملة و واعية، وليكون موقفنا منه موقفا موضوعيا، موضحا، بهذه المنهجية سنقف على مطالب هذه الحركات، التي تتعدى محاربة الاغتصاب، إلى تأييد ارتباط رجل برجل رسميا، وإلى إباحة العلاقات الحرة خارج الزواج، والمطالبة بعدم تجريم الخيانة الزوجية، والمساواة في الإرث، ومناصرة الإجهاض الحر… وبالتالي فالشريط ملغوم وغير بريئ. وفق تعبيره.
وشدّد اعليلوش: “مبدئيا لا يمكن أن نجد رجلا واحدا يناصر الاغتصاب، لهذا فإن ما أثارني في الشريط، هو قضايا أخرى أُقحمت فيه، وعلى رأسها حرية الجسد، هذه الحرية التي لها مفهوم معين، متأكد من أن الكثير من أنصاره لا يفقهونه، ولهذا فإن العديدون لهم تصورهم الخاص لهذه الحريات، الذي ينسجم مع المجتمع ومرجعيته، والذي لا يمكن تعميمه طبعا”. مضيفا، “يُقصد عالميا بالحريات الفردية أساسا حرية كل إنسان في اختياراته وجسده وسلوكه وعلاقاته الجنسية، كما يُقصد بها أيضا، الحد من الوصاية المفروضة على الفرد من قِبل المجتمع، سواء كانت الوصاية من مؤسسات دينية أو قانونية أو تقاليد متوارَثة، وإن الحرية الفردية بهذا المنطق، تُحيلنا على ثلاثة أفكار أساسية لا يمكن القبول بها، وهي نبذ الدين والتحرر من مختلف أحكامه، والتنكّر لأخلاق المجتمع وأعرافه، والخروج عن القانون وهو تعبير عن إرادة الأمة منسجم مع مرجعياتها الدينية والأخلاقية”.
وتابع الفاعل الجمعوي في السياق ذاته، “يدرك العام والخاص أن قِبلة المغاربة، بعد القِبلتين المشرّفتين، هي التنمية، التي لن تتأتّى إلا بدعم الاستقرار بكافّة صوره، ومنه الاستقرار القانوني الذي يعضّد سواعد المجتمع ويحدّ من تفكّكه”، موضحا، “المغاربة هم من صوّت على دستور فاتح يوليوز 2011، وهم متشبثون بثوابتهم، وعلى رأسها الإسلام، والذي يعكسه شعارنا الوطني الذي تتصدّره كلمة “الله”، وبالتالي لا يعقل في ضوء هذا كله ألا يلتزموا بحدود الحرية التي يحددها المشرع العادل سبحانه وتعالى، الذي لم يشرع للرجال فقط، بل للإنسان، ولهذا فلن يقبل المغاربة الحرية الفردية أو العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين، وغيرهما من المفايهم إلا بشرط واحد، وهو إعلان القطيعة مع الدين نهائيا.”
وحول المطالبة برفع التجريم عن الإجهاض قال المتحدث: “إن لكل ظاهرة اجتماعية أسبابا، ولحلّها ينبغي معالجة أسبابها، ويستنكف المنطق السليم أن نعالج النتائج فقط، سِيَما وأن النتيجة هنا هي وجود جنين، وهو الكائن الحي، الذي لا يمكن تجاهل حقه في الحياة، فقتله ليس حلا لأية مشاكل اجتماعية مهما كانت”، مبيّنا، “يبقى الأصل في الإجهاض هو منعه وتحريمه، بل تجريمه، مع استثناء الإجهاض العلاجي، الذي يندرج ضمن الحق في الصحة وليس الحريات الفردية، وكذلك حالات الاغتصاب، شريطة أن يتم في المراحل الأولى للحمل، أما الحديث عن الحق في الإجهاض الحر فلا يُتصوّر، لانعدام الشرعية دينيا واجتماعيا، وحقوقيا أيضا، خاصة إذا كان الجنين ذلك المخلوق الضعيف، سيُجهض من باب تحمّل أخطاء الغير (الأم و الأب)، أو علاقاتهم الحرة”.
واعتبر الباحث القانوني حركة “خارجون عن القانون” التي أطلقها مجموعة من النشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بإلغاء تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وإلغاء مواد القانون الجنائي المكبّلة للحرية الفردية، أنها حركة تُشكّل خروجا على الشرعية من عدة أوجه؛ فهي لا تعترف بسلطة المجتمع وحقه في تنظيم شؤونه وفق قناعاته، ولا تعترف بالمؤسسات التشريعية التي تمثّل كافة التيارات داخل البلاد من جهة أخرى، إضافة إلى أنها تمرّر رسالة سلبية وخطيرة لكل متطرف مفادها أن القانون لا قوة له، وفق قوله.
وأضاف المتحدث نفسه، “المادة السادسة من الدستور المغربي، تفيد أنه لا مجال لتجاوز إرادة الأمة التي ارتضت كتعبير عنها القانون الذي هو عبارة عن مجموعة من القواعد التي تنظم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع، سِيَما وأن القانون ليس منحة من جهة ما، ولكنه نِتاج عمل مؤسسة تشريعية تضمّ مختلف التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فهو من جهة تعبير عن التوافقات المجتمعية، وتجسيد لإرادة الأغلبية وِفق ما تفرضة مبادئ الديمقراطية من جهة أخرى، وبالتالي فالخروج عنه يُشكّل عدم اعتراف بالمؤسسات، ويُبيّن عن فشل هذه الجهات في تمرير مطالبها بطريقة مؤسساتية، وذلك نابع أساسا من كونها لا تستند لقاعدة اجتماعية”، موضحا، أن القانون بالضرورة يمثل العدالة، التي يعاقب من ينكرها وفق أحكام الفصل 240 من القانون الجنائي.
واستغرب الأستاذ “بدر اعليلوش”، الباحث في مجال القانون والاقتصاد والتدبير، في تصريحه لموقع “أنا الخبر”، لجوء هذه الفئة لإعلان الخروج عن القانون، حيث إن لها الحق من خلال ممثليها في تقديم مقترحات ومشاريع القوانين، وأيضا رفع الملتمسات التشريعية، والتي هي أدوات شرعية تعترف بوجود المؤسسات والدولة، ما يوحي بأن لهذه الجهات أهدافا أخرى خفيّة من وراء هذا الخروج، حسب المتحدث.