أي سياسة عمومية لوزارة العدل لضمان حق المواطنين في الولوج للعدالة ؟
تشهد محاكم المملكة توقفا عن سير العمل و النظر في قضايا المواطنين المعروضة على القضاء، وهذا التوقف والاضطراب في سير أشغال هيئات العدالة يناقض مبدأ استمرارية المرفق العام في تقديم خدماته للمرتفقين، وذلك بسبب لجوء محامو جميع هيئات المحامين بالمغرب الى التوقف عن حضور الجلسات احتجاجا على ما أقدمت عليه الحكومة من اقتراحات تضريبية في مشروع قانونها المالي لسنة 2023.
وهذا التوقف الذي أصاب سير العدالة بالشلل والتعثر يعود الى ما يرغب في تقريره القانون المالي 2023 الذي اقر انه على كل مقال يجب عند أداء الرسوم القضائية، وواجب دمغة هيئة المحامين إلزامية بدفع مبلغ 300.00 درهم عند تسجيله أمام كتابة الضبط لدى المحاكم الابتدائية ، وأيضا أداء مبلغ 400.00 درهم عند تسجيل اي مقال بالطعن أمام محاكم الاستئناف ، وأداء مبلغ 500.00 درهم عن كل طعن أمام محكمة النقض .
وحسب المشهور من الأقوال أن هذا الإلزام يتعلق باختلاق أداء تسبيقي ضريبي على الدخل بالنسبة للمحامين، ويستند من صاغ هذه المادة القانونية الى انه حسب الادارة الجبائية فان حوالي 95 في المائة من محامي المملكة لا يصل رقم مساهمتهم الضريبية السنوي الى 10000.00 درهم لكل محام.
وحتى تضمن الادارة مساهمة فعالة للمحامين في المالية العمومية أقرت ذلك المقترح، وبالتالي فتنفيذها هو ضمان مساهمة أساسية ودنيا في المالية ، قبل تقديم كل محام لتصريحه الضريبي السنوي بشكل شفاف لمداخيله السنوية.
فهل حقا يعكس هذا المقترح تلك الرغبة ضمن التدبير الحكماتي للقطاع ؟
ولفهم هذا السؤال نستسمح المهتمين والقراء تناول الموضوع من زوايا اخرى حتى نتبين امر هذه المادة ، التي احدثت رجة مثل تلك التي شهدتها المادة 9 من قانون المالية لسنة 2019. حيث وضعت الامر في تناقض بين مبدأين دستورين وهما مبدأ استمرارية الادارة في تقديم خدماتها .
وهكذا فالقانون المالي لسنة 2023 يعكس التصور الحكومي المشترك بين كل من حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان يعتبر إداريا عند نشأته على يد الراحل احمد عصمان، والذي يقوده حاليا الملياردير عزيز أخنوش و بين حزب الأصالة والمعاصرة الذي جاء كحركة سياسية كتتويج لحركة الديمقراطيين التي تحولت الى حزب ظهر كتجمع لقوى المال ضد الحزب الإسلامي الذي أتى به حراك 20 فبراير كجزء من الخريف العربي بقيادة المحامي عبد اللطيف وهبي ، وبين حزب الاستقلال الذي استعادت الأسرة المنشئة له زمام أموره لما تم إقصاء حميد شباط من الأمانة العامة للحزب ، تحت شعار إبعاد الشعبوية من قيادة الحزب التاريخي ، وإسناد أمور الأمانة العامة لحفيد مؤسس الحزب ” نزار البركة”.
وبالتالي فهذا المقترح عند معاينته ومحاولة معالجته فسنتبين ما يلي :
أولا : ان من سيجد نفسه مجبرا على أداء هاته التحملات الضريبية المفترضة أنها للمحامين، إنما طالب الحق الملزم بتنصيب محام ، بحيث ان المرتفق أصبح مطالبا من اجل حقه في التقاضي المضمون – دستوريا وفقا للفصل 118 – لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون .أن يؤدي ما يلي :
قيمة الرسوم القضائية بحسب كل درجة من درجات التقاضي .
توفير حق المحامي المنتصب الملزم بأداء الدمغة الواجبة عليه لأداء واجب الانتماء للهيئة توفير مبلغ 1200.00 درهم كالتالي : 300.00 درهم ابتدائيا، و400.00 درهم استئنافيا و 500.00 درهم في مرحلة النقض.
أداء قيمة الضريبة على القيمة المضافة باعتبار المحام – في حالة الشفافية الضريبية – مجرد جاب لواجبها لتحويلها الى الجهة الضريبية التي تتولى آمر تحصيلها، وباعتبارها هي المؤسسة لما نسميه بالقيمة المضافة على رقم المعاملة اي الأتعاب التي من حق المحامي مطالبة موكله بها.
أداء واجب أتعاب المحامي، لتغطية مختلف مصاريفه حتى يقوم بالخدمة العمومية التي مصدر تمويلها هو الموكل الذي يلزم بتنصيب المحامي لممارسة حق التقاضي ولضمان قواعد سير العدالة.
وهذه المبالغ في حدها الادنى تفترض انه بمقترح الحكومة الجديد فانه على أي مواطن لممارسة حقوقه كما ينص الفصل 118 من الدستور ان يوفر مبلغا يصل بداية الى خمسة الاف درهم ،
واذا كانت آلية مقاطعة الجلسات بقاعة المحاكم هي آلية دفاعية لدى المحامين لحماية أنفسهم مما يعتبرونه مسا بحقوقهم ، وأنهم كما صرح بالأمر المحامي الأستاذ محمد زيان بكون كل ما يلزم به محام فمتحمله هو المواطن، وبالتالي فدفاعهم ضد المقترح الأخير للإدارة الجبائية هو دفاع عن المواطن من إرهاقه ، وليس تأكيدا لضمان مساهمة كل مواطن في المصاريف و التحملات العمومية .
ثانيا: هل سيستطيع المواطن / المساهم في تحمل النفقات العمومية ، ضمان حقه في الولوج الى العدالة / امام تحمل كل المصاريف المحتملة والتي تتكون في الحالة الجديدة من واجب الرسوم القضائية، واجب الدمغة، الضريبة على القيمة المضافة، مصاريف المفوض القضائي، مصاريف التبليغ ، رسوم التنفيذ ، مصاريف الترجمة و مصاريف القيمة التسبيقية الضريبية في كل درجة من درجات التقاضي.؟
أليس كل هذا ” البلوك المالي ” من المصاريف المطلوب توفرها لدى الشخص للدفاع عن حقوقه سيخول له حق الولوج الى العدالة في مواجهة مافيا السطو على العقارات ، او مافيا النصب ، او مافيا عدم الوفاء بالديون، وهو مجرد شخص عادي ، و لا يمتلك سوى دخله من عمله الذي يقرر الشغل ان الحد الادني للاجر محدد في 3000.00 درهم شهريا تخصم منه واجبات التحمل الاجتماعي من جهة ، ومنه اداء الكراء ، واداء واجب المعيشة اليومية ، ومصاريف الزوجة والاولاد وغيره ..
او ليس هذا الإجراء –الموجه أساسا للمحامين – و المقترح في قانون المالية 2023 سيدفع بالمواطنين ضحايا الاعتداءات سواء أكانت ذات طبيعة جنائية او مدنية الى التخلي عن ممارسة حقه أمام العدالة بسبب التحملات التي أقرتها إلادارة الجبائية بمباركة وزير العدل الممارس لمهنة المحاماة قبيل توليه مسؤولية التدبير السياسي للحزب او لمرفق وزارة العدل.
ثالثا: وهنا نثير الامر من منظور سياسي ، باعتبار ان قانون المالية الذي تسهر على صياغته الحكومة المتولية لتدبير الشأن العمومي، هو قانون يعكس تصورها السياسي ، وبالتالي هو أداة لتنفيذ برنامجها السياسي المتفق عليه بين أطراف التحالف بالتضامن من جهة، كما يهدف تطبيق تلك المكتسبات السياسية لتلك الاحزاب، فاية مصلحة يخدمها هذا المقترح ؟ الا يؤكد هذا المقترح الذي سيدفع بالكثير من المواطنين في وضعية هشاشة الى التخلي عن ممارسة حقهم في ولوج العدالة لحماية حقوقهم ومن جهة وحمايتهم من الحيتان الكبيرة القادرة على بلع كل شيء والتي هم ايضا ضحاياها بفعل ذلك الامتناع عن الحماية الذي توفره الادارة القضائية بكل شفافية ونزاهة وعدالة ؟
وبالتالي الا يكون هذا الحاجز فرصة ذهبية تمكن ذوي النفوذ المالي الكبير لوحدهم فقط من من ممارسة التقاضي، وتخول لهم التاأسد والتغول وتصير مبررا للسطو على حقوق الفئات الفقيرة والضعيفة والهشة، ضاربة بذلك مبدأ المساواة اامام القانون ؟
وبناء عليه ، الا يكون الامر تطبيقا لسياسة اللبرالية المتوحشة في مجال العدالة، ويؤكد بوضوح الاختيار اللبرالي المتوحش للقوى السياسية المشكلة للتضامن الحكومي الحالي ؟
رابعا : افلا يؤكد هذا الاصرار على التضريب الغير المباشر للمتقاضين بالرفع من كلفة تحملات الولوج الى العدالة ، ان الفريق الذي صاغ هذه المادة مشكل ممن هم بعيدون كل البعد عن معاناة المواطن المغربي ، وانهم بهذا المادة يخلقون التمييز بين المغاربة في مجال الحق ، بين اقلية ثرية ومترفة قادرة على ممارسة حق الولوج الى العدالة ، وبين اغلبية تستطيع بالكاد ضمان قوت يومها تحرم من حق الولوج الى العدالة ؟
خامسا : الا تعمق هذه المادة الفوارق بين ممارسي مهنة المحاماة ، من حيث وجود فئة متمكنة من سوق القضايا باعتبارها مستفيدة من امتيازات التعاقد مع شركات كبرى كالابناك او شركات التامين والقروض اي المؤسسات الائتمانية ، وايضا الشركات الكبرى التي تتعاقد مع بعض المحامين بالوساطة و بالتوصية ومع بعض الإدارات العمومية في إطار الريع الناتج عن عدم احترام مبدأ المنافسة في مجال الصفقات سواء مع الأشخاص الاعتبارية العمومية او الصفقات مع تلك الأشخاص المعنوية ، حيث ان أغلبية المحامين ليس من مصدر العيش سوى القضايا التي يقوم المتقاضون الفقراء بتنصيبهم فيها بحيث يتم ضرب هؤلاء الزبناء بإقرار تلك المادة ؟
سادسا : ألا يشكل هذا الفعل التمييزي ، و الاقصائي و المشكل كسد منيع أمام المواطنين لممارسة حقهم في الولوج الى العدالة ، ضربا لمبادئ الدستور وخاصة الفصل 118 الذي يكفل حق التقاضي لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه ، و الفصل 126 الذي يلزم السلطات العمومية بتقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة وأيضا الفصل 154 الذي ينص على انه يتم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنين في الولوج إليها .
خاصة وان القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون، فكيف سيكون متحققا أمام المواطنين عندما تحرمهم مادة في القانون المالي من حق المطالبة بما مكفول دستوريا ؟
وانه استنادا الى ما أوردناه فان المادة المراد تمريرها في القانون المالي تفتقد للمشروعية الدستورية وتتطلب استعمال الفصل 133 من الدستور ، خاصة وان المادة تمس بالحقوق وبالحريات يضمنها الدستور .
وختاما ألا يتطلب الأمر أن تدعو اللجنة التي سهرت على صياغة المادة في القانون المالي الى ضرورة احترام مبدأ التشارك في صياغتها ، و الإنصات الى مختلف الفاعلين أثناء صياغة قانون يمس المواطنين الذين عليهم مسؤولية المساهمة في تحمل النفقات العمومية من جهة ، وانه ليس على اطر الادارة الجبائية تحقيق مساهمة الجميع في ذلك بعزيز.
بقلم: محمد ربيعة